أطروحة الدكتوراه حول موضوع:حقوق الطفل بين التشريعات  الدولية والوطنية

ملخص أطروحة لنيل الدكتوراه

في القانون الخاص- كلية الحقوق- سلا

حقوق الطفل بين التشريعات  الدولية والوطنية

الدكتور العربي بنساسي

ناقش الطالب الباحث العربي بنساسي برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا يوم السبت 8 يوليوز 2023، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص تحت عنوان : ²حقوق الطفل بين التشريعات الدولية والوطنية دراسة مقارنة.

من تأطير الدكتور محمد راجي، وأمام لجنة علمية وازنة مكونة من السادة الأساتذة:

  • الدكتورة نوال بهدين أستاذة التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية -سلا : رئيسة
  • الدكتورة نوال فقير أستاذة مؤهلة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية -سلا: مقررة
  • الدكتور ربيع كموح أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والسياسية – القنيطرة: مقررا
  • الدكتور محمد راجي أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية -سلا : مشرفا ومقررا

وخلال العرض الذي ألقاه الباحث أمام لجنة المناقشة والذي جاء فيه ما يلي

السياق العام للموضوع وأهميته:

يعتبر موضوع حقوق الطفل من أهم القضايا المتداولة، على الصعيدين الدولي والوطني، إذ أصبحت حماية حقوق هاته الفئة، تشكل هدفا تسعى كل الدول إلى تحقيقه، لكون الطفولة هي الأرضية الصلبة لمستقبل كل أمة، وأن كل نهوض بالأمم يبدأ من الاهتمام بالطفل ذكرا كان أم أنثى.

إن الاهتمام بالأطفال وبحقوقهم شأن قديم عنيت به أمم الأرض على اختلاف درجات هذا الاهتمام، واخذ هذا الاهتمام في التطور التدريجي إلى أن وصل في العصر الحديث إلى شكل مقنن، إذ برزت جهود دولية عديدة في مجال العناية بالأطفال، والتأكيد على حقوقهم من خلال المواثيق والاتفاقيات الدولية والإقليمية.

وبعد إعلان جنيف الذي تبنته عصبة الأمم المتحدة عام 1924، وتم تطويره فيما بعد ليصبح نواة لإعلان حقوق الطفل 1959 تلته كذلك الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لعام 1989 والتي تعد أول اتفاقية دولية في تاريخ العلاقات الدولية تعنى بحقوق الطفل وتوضح هذه الحقوق توضيحا مفصلا وكيفية احترام هذه الحقوق وتطبيقها.

ولكن هذا لا يعني أن هذه الخطوات هي الأولى من نوعها في تاريخ البشرية كما يزعم بعضهم، فالإسلام سبق هذه الإعلانات والاتفاقيات الدولية وغيرها من المواثيق الدولية لقرون عديدة، مما يعني أن الشريعة الإسلامية هي أول من قرر مبادئ حقوق الطفل بشكل متكامل لم يسبق ولم يعقب له مثيل.

قبل الانتقال للوقوف عند أهمية الموضوع لابد من الإشارة إلى الدافع وراء اختياري البحث في موضوع حقوق الطفل بين التشريعات الدولية والوطنية دراسة مقارنة والمتمثل في الواقع المؤلم والصعب الذي يحياه الأطفال في كثير من المجتمعات جراء الحروب، الاستعمار، المديونية، الفقر والكوارث الطبيعية من استغلال اقتضادي وعنف بشتى مظاهره: إهمال، اعتداء جنسي، تشغيل، مخدرات وإعاقة …إلخ.

أهمية الموضوع:

تتجلى أهمية موضوع ²حقوق الطفل بين التشريعات الدولية والوطنية² دراسة مقارنة في انخراط المغرب في مجموعة من المواثيق والصكوك الدولية الأممية والجهوية والإقليمية الخاصة بحماية حقوق الطفل.

تكمن أهمية الموضوع كذلك في راهنيته، إذ يندرج ضمن التوجه السائد حاليا على المستوى الدولي والإقليمي والوطني، وعزم الدولة المتزايد في تكريس حقوق الإنسان عامة وحقوق الطفل بصفة خاصة، بما يضمن تطور شخصيته في جميع مجالات حياته، خاصة في ظل وعي المملكة المغربية بوجود فئات عريضة من الأطفال معرضة للتهميش، وهو ما يقتضي منها تجنيد كافة السبل والإجراءات لضمان تمتيع الطفل بمختلف الحقوق المكفولة لهم دوليا ووطنيا، إن اختيار الاشتغال على موضوع ²حقوق الطفل بين التشريعات الدولية والوطنية – دراسة مقارنة يعد مساهمة علمية متواضعة الهدف منها إغناء البحث العلمي بشكل عام في أفق النهوض بمسار وحماية حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق الطفل بصفة خاصة والذي يظل شأنا طويلا يتطلب انخراطا جماعيا بإرادة لا تعرف الكلل، كما أن هذا البحث سيشكل قيمة علمية  مضافة لخزانة الكلية ليستفيد منه الطلبة الباحثون.

الإشكالية المحورية للموضوع:

انطلاقا من الأهمية التي يكتسيها هذا الموضوع تطرح الإشكالية المركزية الآتية:

إذا كان المغرب قد أفصح عن نيته للاهتمام بحقوق الطفل من خلال انخراطه في الركب الأممي المهتم بصون حقوق هذه الفئة، هل تمت ترجمة التشريعات الدولية التي صادق عليها المغرب ذات الصلة بحقوق الطفل في التشريعات الوطنية المغربية؟ وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات من بينها:

  • مدى تفاعل التشريع المغربي مع التشريعات الدولية ذات الصلة بحقوق الطفل؟
  • ما هي أهم المجهودات التي قامت بها المملكة المغربية في سبيل تعزيز حقوق الطفل؟
  • هل استطاع المغرب ترجمة التزاماته الدولية في مجال النهوض بحقوق الطفل على أرض الواقع؟
  • هل الطفل المغربي بالفعل يتمتع بحقوقه كما أسست له مختلف توجهات المملكة، أم أن الواقع المعاش للطفولة المغربية لا يزال رهين معيقات تحد من فعالية الحقوق المخولة لهذه الشريحة؟
  • ما هي العراقيل التي تحد من تطبيق حقوق الطفل في الوطن العربي؟
  • ما هي التقنيات والاليات الجديدة لمعالجة موضوع حقوق الطفل في الوطن العربي؟

المناهج المعتمدة :

للإجابة عن الإشكالية المركزية للبحث والإشكاليات الفرعية ارتأينا توظيف مجموعة من المناهج، فكانت البداية مع المنهج التاريخي حيث وقفنا عند التأصيل والسيرورة التاريخية لحقوق الطفل انتقالا للمنهج الوصفي لرصد وضعية حقوق الطفل، انطلاقا مما جاءت به مختلف جهود المملكة المغربية في هذا الصدد، وكذا تتبع مسار الإنجازات التي تحققت حماية لهذه الفئة من الأشخاص، كما تم اعتماد المنهج المقارن وتجلى ذلك في الانفتاح على بعض التشريعات وبالخصوص التشريع التونسي إضافة إلى اعتماد المنهج الإحصائي بالاستناد على بعض الإحصائيات بالإضافة إلى الاستعانة بمناهج أخرى اقتضتها ضرورة البحث.

خطة البحث:

على ضوء التصور المنهجي، سنعمل على دراسة موضوع حقوق الطفل بين التشريعات الدولية والوطنية دراسة مقارنة على شاكلة التصميم الآتي:

القسم الأول: حقوق الطفل: التأصيل التاريخي وآليات الحماية الدولية

القسم الثاني: مدى تفاعل التشريع المغربي مع التشريعات الدولية لحقوق الطفل

خاتمة.

خلاصة القسم الأول

وقفت في هذا القسم الأول عند التأصيل التاريخي لحقوق الطفل (الفصل الأول) والآليات الدولية لحماية حقوق الطفل (الفصل الثاني).

لقد تم الوقوف في سياق التأصيل التاريخي لحقوق الطفل عند تحديد الجهاز المفاهيمي لحقوق الطفل، لأن تحديد مفهوم الطفل هو من الأمور بالغة الأهمية عند الحديث عن حقوقهم سواء كان ذلك في القانون الدولي العام أو الإسلام، إن تحديد المفهوم مدخل أساسي يعطينا صورة واضحة المعالم لهذا الكائن الحي  والضعيف التي تمنح له هذه الحقوق وتلك الضمانات التي تحمي هذه الحقوق من العبث أو التعدي، ومن تم فإن بحث الآليات الدولية لحماية حقوق الطفل يستلزم الوقوف عند الوثائق والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل، فلا يكفي القول بوجود حقوق الطفل مجرد إبرام اتفاقيات او إصدار قرارات تنص على تعداد هذه الحقوق، إنما لابد من إنشاء أجهزة يناط بها مهمة التحقق من احترامها، وإذا كانت كل دولة هي التي تختص بتطبيق النصوص في إطار ممارستها لسيادتها، إلا أنه ينبغي أن مثل هذا السلوك لابد أن يخضع لرقابة دولية  فيه العوض عن افتقاد وجود سلطة تنفيذية دولية.

خلاصة القسم الثاني:

عرفت حقوق الإنسان عامة وحقوق الطفل خاصة تطورا واهتماما كبيرين في المغرب منذ التسعينيات نتيجة عوامل أهمها ضغط المحيط الدولي،  توجت بإطلاق مسار إصلاح شامل هم المنظومة القانونية بدءا بالتشريع الأسمى للمملكة – الدستور –  الذي شهد تعديلات كلها تصب في منحى تقوية وتعزيز الحقوق والحريات مرورا بباقي القوانين التي حرصت المملكة على تماهي مقتضياتها مع الأوثاق الدولية، وصادق المغرب خلال هذه الفترة على مجموعة من الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان عامة والطفل خاصة، ولم تتوقف نية المملكة في الرفع من مستوى حقوق الطفل والسمو بها والحرص على ضمان ما نصت عليه المقتضيات الاتفاقية عند حدود المصادقة فقط، بل شرع في ملائمة نصوصه التشريعية مع ما تقتضيه هذه المصادقة وكذا إخراج قوانين جديدة لضمان الحقوق المثلى للطفل.

وعلاقة بحقوق الطفل في الوطن العربي لابد من الاعتراف بالجهود المبذولة في تنمية الطفولة ورعايتها في الوطن العربي في معرض حديثنا في هذا القسم عن حقوق الطفل في الوطن العربي الواقع والآفاق إلا أن هذه الجهود تظل غير كافية وغير متكافئة مع ما ترجوه الدول وتأمل فيه بالنسبة للأطفال، وكذا بالنظر إلى واقع الملايين من الأطفال المحرومين من أغلب حقوقهم في الحياة.

وفي سياق الانفتاح على بعض التجارب الرائدة على مستوى التشريعات التي حرصت على حماية حقوق الطفل وقفت بالتحليل والتفصيل عند التشريع التونسي “مجلة حماية الطفل” ولقد تم اختيار التجربة التونسية على اعتبار القواسم المشتركة بين تونس والمغرب المتمثلة في اللغة الدين والقرب على المستوى الجغرافي.

ما يميز التجربة التونسية في حمايتها وصونها لحقوق الطفل التونسي “مجلة حماية الطفل” كونها تعد بحق علامة وضاءة عززت جملة القوانين والإجراءات التي تم وضعها في تونس منذ المصادقة على اتفاقية حقوق الطفل.

أهم النتائج المتوصل إليها من خلال هذه الأطروحة

  • ضرورة فتح نقاش مجتمعي يهدف إلى التحسيس بأوضاع الطفولة وضرورة العمل على ضمان حقوقها والتوعية بالأخطار التي من شأنها تهديد فئات عريضة منهم، كما يضمن تناول الطابوهات داخل النقاش.
  • إعداد سياسة عمومية تأخذ يعين الاعتبار مبدأ التشاركية، وذلك بانخراط كافة الفاعلين والمتدخلين بما في ذلك الأطفال أنفسهم بكافة أصنافهم بما فيهم الأطفال في وضعية هشة إعمالا بحقهم في التعبير عما يهمهم ومبني على مقاربة حقوقية انسجاما مع المواثيق الدولية ودستور 2011 الذي نص على سمو هذه المواثيق.
  • الانفتاح على البحث العلمي وتعزيز البرامج التعليمية لأن البحث العلمي يشكل أحد اهم وأبرز دوافع التقدم لدى الأمم، وبالتالي فإن أي اهتمام بالبحث العلمي والعمل على تطويره وجعله أداة في يد الطفولة المغربية سيشكل قفزة نوعية في مجال السمو والنهوض بالطفولة وجعلها في مستوى أفضل على غرار أطفال الدول المتقدمة.
  • إحداث مدونة وطنية لحقوق الطفل المغربي موحدة تروم توحيد جهود جميع المتدخلين من قطاعات حكومية وغير حكومية.
  • ضرورة تأهيل الجماعات الترابية للقيام بدورها في تقديم خدمات القرب في مجال حماية الطفولة.
  • دعم جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالطفولة باعتبارها رافعة حقيقية وآلية ضرورية لتحقيق حماية الطفولة.
  • ضرورة إشراك القطاع الخاص مع التعريف بجهوده وتقوية انخراطه أكثر في الجهد الجماعي وفي الطاقة الجماعية للنهوض بحقوق الطفل.
  • ضرورة النهوض بخدمات مؤسسات الرعاية الاجتماعية ومراكز حماية الطفولة.
  • ضرورة إشراك الإعلام عبر وسائله السمعية والبصرية ودورها الفعال في التعريف بقضايا الطفولة وإكراهاتها وكذا التوعية والتنشئة السليمة التي يتلقاها الأطفال بفعل الإعلام البناء والمسؤول والذي يساهم في تقوية قدرات الأطفال ودعم ابتكاراتهم وتنمية إبداعاتهم.
  • ضرورة تفعيل المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة.
  • يجب على المجتمع الدولي الآن أن يعيد توجيه طاقاته من المهمة القانونية المتمثلة في إعداد المعايير إلى المشروع السياسي الذي يكفل تطبيق تلك المعايير على ارض الواقع في احترامها، وليتذكر قادة العالم ما ذكره إعلان جنيف لعام 1924، ألا وهو أنه “يجب على البشرية أن تعطي للطفل أفضل ما عندها”.

يظل  مسار النهوض وحماية حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق الطفل بصفة خاصة يظل شاقا وطويلا، ولا حد لكماله، مما يتطلب انخراطا جماعيا، بإرادة لا تعرف الكلل، كونها ليست أفقا محدودا، وإنما هي حركية مستمرة ومنظومة مترابطة في أبعادها الديمقراطية والتنموية هو ما خلص إليه جلالة الملك في خطابه ليوم 30/07/2008 أو بإجراءات ترقيعية أو مسكنة أو بالترويج لمقولات ديماغوجية ترهن الحاضر بالهروب إلى مستقبل نظري موهوم، إن أساس نجاح أي إصلاح يكمن في ترسيخ الثقة والمصداقية والتحلي بالأمل والعمل والاجتهاد”.

ونختم بالقول أن نشدان الكمال جزء من الطبيعة الإنسانية، لكن الكمال لا يتحقق لعمل بشري مهما كان المجهود المبذول من وراءه، فالكمال لله وحده عز وجل.

وعقب مداولات اللجنة، تقرر قبول الأطروحة مع منح الطالب الباحث  لقب دكتور في القانون الخاص بميزة مشرف جدا مع تنويه جميع أعضاء لجنة المناقشة بعمل الطالب.