بحث الماستر: “حقوق الإنسان في دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، من خلال تقارير “هيومن رايتس ووتش” 2012 – 2021..


«حقوق الإنسان في دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، من خلال تقارير “هيومن رايتس ووتش” بين سنة 2012 و2021، المغرب، السعودية، الأردن، قطر؛ الجزائر، مصر، ليبيا، تونس»

نوقِشَت زوال يوم الخميس 16 يناير 2023، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، رسالة ماستر متخصص في حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، تقدّم بها الطالب الباحث “أسرموح محمد”، تحت إشراف الدكتور “العبدي عبد الإلاه” أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط كلية الحقوق أكدال، تحت عنوان: «حقوق الإنسان في دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، من خلال تقارير “هيومن رايتس ووتش” بين سنة 2012 و2021، المغرب، السعودية، الأردن، قطر؛ الجزائر، مصر، ليبيا، تونس»


 

وقد تألفت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة الأفاضل:

  • الدكتور “العبد عبد الإلاه” أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية/ أكدال، رئيسا ومشرفا؛ 
  • الدكتورة “الحمدان فاطمة” أستاذة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية/ أكدال، عضوة؛
  • الدكتور “أبو الذهب زكرياء” أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية/أكدال، عضوا؛
  • الدكتور “الأمراني غسان” أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية/ السويسي، عضوا.

وفيما يأتي مُلخَّص ما جاء في التقرير الذي قدمه الطالب الباحث بين يديْ اللجنة العلمية:

بسم الله الرحمن الرحيم

السادة الأساتذة، أعضاء لجنة المناقشة، الباحثين الأعزاء، الحضور الكريم:

جد فخور أن أقف أمامكم، بكل احترام وتقدير كي أُقدّم بين يديكم تقريراً مركزاً عن بحث رسالة التخرج بعنوان «حقوق الإنسان في دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، من خلال تقارير “هيومن رايتس ووتش” بين سنة 2012 و2021، المغرب، السعودية، الأردن، قطر؛ الجزائر، مصر، ليبيا، تونس»، ضمن التكوين المتخصص في سلك الماستر حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، مختبر القانون العام والعلوم السياسية، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية/ أكدال.

وهو موضوع يجد جدوره في المجتمع المدني العابر للحدود، ضمن الفاعلين غير الرسميين من حقل العلاقات الدولية، حيث أن المنظمات الدولية غير الحكومية ظلت محط اهتمام كل الفاعلين في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، إلى جانب الفرد الذي أضحى يتمتع بدور جوهري في الحياة الدولية، وهي منافس للفاعلين التقليديين في إثار ة القضايا الدولية ومصدرا للمعلومة، لها ما يكفي من الآليات للضغط والتأثير على صناع القرار، بما فيهم الأعداء المفترضون للدولة، قادرة على إضعاف موقف الدولة داخليا وخارجيا وعزلها وتهميشها، عبر دفع صناع القرار إلى حظر العلاقات وإسقاط عقوبات اقتصادية وعسكرية، بالإضافة إلى اعتبار الضمير الإنساني مشترك دولي وعالمي، وهو فعل تنشط فيه المنظمات الدولية بمردودية أكثر، ولها من الصلاحيات ما يكفي لتنوير الرأي العام الدولي والعالمي، والتأثير على قناعات صناع القرار من أجل ترتيب علاقاتهم بأولوية حقوق الإنسان، الافتقار إلى منظومة للديمقراطية وحقوق الإنسان هو مؤشر على ضعف الدولة، بالخصوص عند غياب عناصر القوة التقليدية في عالم تسود فيه القوة والمصالحة، مما يستدعي إعطاء الأولوية للديمقراطية وحقوق الإنسان، وجعلهما واجهة خارجية، وتأمين الجبهة الداخلية وتعزيز الموقف الخارجي، وتقييم السياسة الحقوقية يمكن أن يقوم على تشخيص المنظمات الدولية غير الحكومية، لكونها تحظى باستقلالية وثقة وسمعة عالمية، افتراضا لحسن النية، واستشراف المستقبل إذا ما ظهر العكس قصد تشغيل المضادات الحقوقية، ضد أي مبرر إنساني للتدخل في الشأن الداخلي.

إذا فإن نجاعة الأداء، تقتضي الصيانة المستمرة ولتلقيح المسار الحقوقي والديمقراطي، عبر تقييم السياسة الحقوقية من قبل جهات مختصة ومستقلة، كما هو الحال بالنسبة لمنظمة “هيومن رايتش ووتش”، والتي ظلت تؤدي هذا الدور على المستوى العالمي، بما فيه منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، من خلال التغطية والرصد لقضايا حقوق الإنسان، بتنوير الرأي العام العالمي والمحلي من خلال التغطية السنوية والموضوعية حول قضايا حقوق الإنسان، وتمد المعنيين والفاعلين بتفاصيل لتكوين قناعاتهم حول منطقة ما من منطلق حقوق الإنسان، بالإضافة أن الزمن البحثي للرقعة الجغرافية تخللته أحداث مفصلية في تاريخ المنطقة، كان عنوانها العريض المطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان كنتيجة لسنوات من الاستبداد دون متنفس حقوقي يذْكر، الأمر الذي أدى إلى اشتعال فتيل صراعات سياسية بعضها مسلحة، كنتيجة للتصادم والضغط، تحول إلى مواجهة بين السلطة والمحتجين، وكانت له تداعيات سياسية وحقوقية وإنسانية؛ مما أدى إلى انهيار الأنظمة السياسية والأمنية والقضائية، وثوابت بعض الدول ورموزها، ووسع من دائرة الانتهاكات، بل إن عملية استتباب الأمنية كانت على حساب حقوق الإنسان، كما هو الحال في النماذج التي استمر فيها الوضع الأمني الهش، بينما هناك نماذج لم تتأثر بتداعيات الأزمة كنتيجة لمسارها الحقوقي الذي عرف متنفس حقوقي استباقي، وامتص قوة الربيع العربي، واستثمرته من أجل مزيد من الإصلاح، بالإضافة إلى الاستقرار الي تعيشه، كما هو الحال بالنسبة للأنظمة الملكية بالمقارنة مع الجمهوريات.

كما أن الدول تسعى للتوقع مصاف الكبار على المستوى الدولي، من أجل الحصول على مؤشرات إيجابية داخلية قدر الإمكان للصيانة كرامة الأفراد والتطلع لمستوى معيشي أفضل، بينما المنافسة الخارجية مشتدة والمشهد الدولي تطفو فيه القوة والمصلحة، ويسود فيه نظام أحادي بقيم ومبادئ ليبرالية، حيث يرى في القيم والأخلاق الغربية معيارا كونيا للاصطفاف في النسق الدولي، وما دون القيم الغربية استبداد وعدو مفترض ومن المحتمل أن يبتلع الاستبداد رعاة القيم الغربية في حالة استمراره، مما أدى إلى اعتبار القيم الغربية مقياسا لترتيب العلاقات الدولية؛ ما يعني أن الافتقار لحقوق الإنسان مؤشر على ضعف موقف الدولة داخليا وخارجيا، كما أنه يجعل من سيادة الدولة هشا وقابلا للانهيار السياسي والأمني، وبالخصوص بالنسبة للدول التي تفتقر لعناصر القوة التقليدية والحديثة، أو أنها تتطلع لتحقيقها، إلا أن الانخراط في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان يرتطم بمجموعة من الإشكاليات التي يمكن اختزالها في عنصرين يحولان دون ابتلاعها وهما:

    • افتقار الأنظمة السياسية للخلفية القائمة على قيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان؛
  • أن القيم والمبادئ الغربية الكونية تتصادم مع الخصوصية.

وتكمن أهمية الموضوع في أن فمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط تعيش على واقع انتقال سياسي، عنوانها البارز مطالب بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وعليه فإن تقييم الفترة الانتقالية في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية، تقتضي تشخيص الواقع الحقوقي والإنساني من قبل الهيئات المهتمة والمستقلة، عن طريق الانكباب على دراسة وضعية حقوق الإنسان في منطقة شمال أفريقية والشرق الأوسط على امتداد الفترة ما بين 2011 و2021، وتقييمها بناء على التقارير السنوية والموضوعية لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، باستعراض بعض النماذج التي شملت:

المغرب، والسعودية، والأردن، وقطر كأنظمة ملكية؛ والجزائر، والمصر، وليبيا، وقطر كأنظمة جمهورية.

 بالإضافة إلى أن الموضوع ذو راهنية، ناهيك على أن، منظمة “هيومن رايتس ووتش” تحظى بصيت دولي وعالمي في رصد وتغطية قضايا حقوق الإنسان، واستطاعت كسب قضايا إنسانية، والمساهمة في تطوير مبادئ وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنسانية، وتعد مصدرا للمعلومة دوليا ووطنيا قصد تشخيص واقع حقوق الإنسان في منطقة ما، لوها ما يكفي من القوة للتأثير على القرار الدولي واتخاد مواقف ضد دولة أو سلطة ما.

كما أن هذا الموضوع ليس إلا امتداد لمشاريع بحثية سابقة متصلة بدراسة التقارير الدولية تولت دراسة فترة زمنية سابقة، ضمن جدول مشاريع البحث العلمي التي يتولى تأطيرها الدكتور الأستاذ “العبدي عبد الإلاه“، مع خلية من الطلبة والباحثين.

وعليه فمن خلال هاته التوطئة، يتضح أن هناك مجموعة من الأسئلة التي تثير الباحثين والمهتمين بحقوق الإنسان في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، والتي يمكن اختصارها بارتكاز شديد كالاَتي:

  • حقوق الإنسان ضرورة ملحة، تصطدم بمجموعة من الإشكاليات؛ من ضمنها هاجس الخصوصية، واستيراد نموذج من ثقافة مختلفة؛
  • حقوق الإنسان ما هو إلا تطور يعبر عن ثقافة وتجربة تاريخية، ولا يوجد نموذج مثالي بينما هناك الحد الأدنى من الحقوق، وكل ثقافة تجتهد لتقدم نموذج أفضل؛
  • كما أن الافتقار لحقوق الإنسان أمام النموذج الغربي يحرج دول المنطقة، مما يخلف ضغط شعبي أمام السلطة؛ 
  • بينما إسقاط نموذج حقوقي من إنتاج تجربة حقوقية تاريخية على تجربة تاريخية أخرى، يعد مجهول المصير؛
  • الأمر الذي أدى إلى تضارب وجهات النظر بين من يسعى إلى تبني مدرسة مثالية للحقوق والحريات، وبين من يتعامل مع حقوق الإنسان بحذر.

كل هاته الهواجس كانت مثار للجدل، وأدت في الأخير إلى تفجير أزمة الربيع العربي، الناتج عن تداعيات الانتقال الصدامي نحو الحقوق والحريات نظرا لغياب المتنفس الحقوقي، وكان له أثر على وضعية حقوق الإنسان، حيث سجل سجال في المنطقة وهي طفرة في النقاش الدمقراطية وحقوق الإنسان بشمال أفريقيا والشرق الأوسط، إن لم يقال محاولة لتطوير حقوق الإنسان عبر مجموعة من الإصلاحات الدستورية، والديمقراطية، والتأسيسية؛ وعليه فإن الأسئلة المفروضة والتي تتفرع عن الإشكالية تتمثل فيما يلي:

  • إلى أي حد استطاعت دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط تسجيل تطور في حقوق الإنسان؟
  • وهل أدى الربيع العربي إلى تحسين أداء هاته الدول في مجال حقوق الإنسان؟
  • وكيف كانت مردودية الأداء بالمقارنة بين دول جمهورية وأخرى ملكية؟
  • وهل استطاع الدول الجمهورية أن تحقق شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ أم أن الدول الملكية استطاعت تحقيق الحد الأدنى رغم أنها أنظمة وراثية؟
  • ما هو مصير الإصلاح الذي تبنته بعض الدول؟ هل كان ماَله الاستمرار أم مجرد مسكنات ثم التراجع بعد تخفيف حدة الضغط؟
  • وهل كان للربيع العربي أثر على تطور الحقوق والحريات؟ أم أنه أدى إلى انهيار بعد الدول والسماح بمزيد من الانتهاك؟ أم أنه كان فرصة للإصلاح بالنسبة للدول المستقرة؟ أم أن المنطقة تعيش مرحلة انتقالية من اجل إنتاج نموذج يعبر عنها؟
  • وما هو انطباع منظمة HRW حول حقوق الإنسان في المنطقة بصفتها منظمة مختصة تتحلى بالحد الأدنى من الموضوعية والتجرد؟

وتتجلى صعوبة البحث فيما يلي؛ أن دراسة التقارير الدولية لحقوق الإنسان موضوع متشعب ومعقد ومركب، كما أن النطاق الجغرافي للموضوع يتولى دراسة ثمانية دول مختلفة من حيث الأنظمة السياسية بشكل مستقل، وتتعدد فيه قضايا حقوق الإنسان التي تختلف عن بعضها البعض، ناهيك عن النطاق الزمني الممتد لـ 10 سنوات من التغطية السنوية والموضوعية، ما يعني مجموع ثمانون تقرير سنوي، وأربع وأربعون تقرير موضوعي، أي حوالي مئة وأربعة وعشرون تقرير في المجموع، بالإضافة إلى نذره الكتابات والمقالات والبحوث والدراسات الأكاديمية، وهو ما يستعصي على الباحث التسلح بأدوات البحث العلمي في هذا المجال لكونه ليس بحقل معرفي مستقل على اعتبار أنه عابر لمجموعة من الحقول المعرفية، كما أن الكتابة تميل للجنس الصحفي، مما يستدعي هدم التقارير وإعادة صياغتها وفق مصطلحات أكاديمية، دون أن أنسى العامل الزمني الذي كان ضيقا.

وقد تطلبت عملية معالجة هذا البحث تحليله بالاعتماد على المنهج الوصفي والوظيفي والاستقرائي، نظرا لتعدد المقاربات وتداخل الإشكاليات مع بعضها البعض، والتي تتطلب قراءة الموضوع وفق مقاربة شمولية من زوايا مختلفة لاكتمال معالجة إشكالية هذا البحث، وبناء على كل من النظرية الليبيرالية والواقعية لتفسير تغير القضايا الدولية وبزوغ الفاعلين غير الرسميين مع الاستئناس بنظرية صناعة القرار؛ عبر استعراض تطور المجتمع المدني والمنظمات الدولية غير الحكومية، وكسبها للشخصية المعنوية، والمركز القانوني على المستوى الدولي والإقليمي، وتمتعها بسمعة بين كل الفاعلين، وقدرتها على التأثير في القرار الدولي، والضغط على الأمم والمجتمعات، قبل تناول جزء من تجربة “هيومن رايتش ووتش” في هذا الصدد، ثم أنداك يمكن قراءة حقوق الإنسان في المنطقة بناء على تقاريرها السنوية والموضوعية في الفترة الممتدة بين 2011 و2021، وعليه فإن تناول هاته الدراسة تتطلب مقاربة الموضوع وفق الهندسة الاَتي:

القسم الأول: الإطار النظري والعملي للمنظمات غير الحكومية

القسم الثاني: وضعية حقوق الإنسان في شمال أفريقيا والشرق الأوسط

وقد وزع القسم الأول على فصلين تناولا، “الإطار النظري والمؤسساتي للمنظمات الدولية غير حكومية” في الفصل الأول، أما الفصل الثاني فقد تطرق إلى “تجريه منظمة هيومن رايتس ووتش في شمال أفريقيا والشرق الأوسط”؛ واللذين خلاصا إلى أن حقوق الإنسان مشترك إنساني، بل دين يميل إليه الضمير  الإنساني، تبناه الغرب في قيمهم وأخلاقهم وجاهدوا من أجل توسيع نطاقه، وسار خط أساسي في علاقاتهم الخارجية، وبعد زعامتهم للعالم زاد إشعاع قيم حقوق الإنسان، فتمكنوا مناصروه من الترافع عنه بكافة وسائل التأثير القانونية والميكانيزماتية والمادية والمعنوية، ومنحهم شرعية الوصاية الحقوقية على الأفراد والجماعات من نفس المشترك.

ما جعله عنصر يتخطى الحدود السياسية ويضعف مبدأ السيادة المقدس، ويمنح للآخر الشرعية للتدخل في الشأن الداخلي بدريعة حقوق الإنسان، وهو عنصر أساسي في ترتيب علاقاتهم وتعاونهم انطلاقا من معيارية حقوق الإنسان، بالإضافة إلى أنه نقطة أساسية يتقاطع حولها مجموعة من المهتمين والفاعلين الدوليين الرسميين وغير الرسميين، كما هو الحال بالنسبة للمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، بما فيها المهتمة بحقوق الإنسان.

وعليه فإن المنظمات الدولية غير الحكومية، ما هي إلا امتداد لمجتمع مدني عابر للقرات، تطور بتطور الفكر الإنساني، نابع من عمق التاريخ القديم، دون أن يكون للدولة دور في ذلك، حيث يتكتل فيه الأفراد بشكل تطوعي لحماية مصالح مشتركة أو اهتمامات خاصة بهم، عن طرق اَليات الاشتغال ووسائل التأثير الممكنة؛ مما بوَّأَه مكانة خاصة حظيت باعتراف رسمي دوليا ومحلي، من خلال المواثيق الدولية والإقليمية والتشريعات الوطنية، وسار ممارسة مشروعة تدخل ضمن خانة الحقوق والحريات الأساسية.

ما مكنها من بعض الوسائل من أجل التعاون مع الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها، للمساهمة في توسيع نطاق نشر وتعزيز وتطبيق وحماية حقوق الإنسان، والقيام بأدوار جوهرية على المستوى الوطني؛ مما أعطاها مركزا اعتباريا توج بمسار من التجارب شملت تطوير قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، والمساهمة في تعزيز ونشر ثقافة حقوق الإنسان، وتأسيس بعض المبادئ التي تقوم عليها حقوق الإنسان، والتعاون مع الآليات الأممية والإقليمية.

وبالرجوع إلى منظمة “هيومنش رايتش ووتش”، فإنها عاشت نفس التجربة مع مجموعة من القضايا منذ نشأتها بعد ولادة في سياق دولي متغير احتكر فيه الغرب قيمه، من أجل مراقبة مدى التزام الدول الشرقية بقيم ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلى أن تطور نشاطها نحو ما هو إقليمي ثم عالمي، وتوج مسارها بمنجزات ذات طبيعة حقوقية وإنسانية، بالتعاون مع الدول والمؤسسات الرسمية، وجبر الدول على اتخاذ مواقف ضد انتهاكات حقوق الإنسان، وتطوير قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ودفع الأمم المتحدة والحكومات لفرض عقوبات دولية ضد السلطات التي تنتهك حقوق الإنسان، وكسب سمعة دولية عن طريق التتويج بجوائز دولية وعالمية كعربون اعتراف بدورها الحقوقي والإنساني.

كما لعبت دورا في رصد حقوق الإنسان بمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، خصوص خلال المرحلة التي سميت بالربيع العربي؛ عبر التغطية السنوية والموضوعية، في النماذج التالية:

 المغرب، والسعودية، والأردن، وقطر كأنظمة ملكية؛ والجزائر، والمصر، وليبيا، وقطر كأنظمة جمهورية.

وفي خضم تلك التقلبات السياسة والأمنية الناتجة عن غياب مؤشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي فجرت جراء البحث عن التغيير، فإنها رصدت جملة من القضايا ذات الصلة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، كانت في بعض الأحيان انتهاكات وخيمة على الأمن وحقوق الإنسان؛ والتي شملت ما يلي:

  • مصادر حرية التعبير والرأي والصحافة بقيود إجرائية وزجرية؛
  • حظر ومنع حرية التجمع والعنف ضد التجمهر السلمي؛
  • ندرة الانتقال الديموقراطي والسياسي المرن؛
  • ارتكاب انتهاكات ضد الإنسانية وحقوق الإنسان؛
  • انهيار الأمن في بعض الدول وانتشار المليشيات والجماعات المسلحة والمتطرفة؛
  • لجوء بعد الأطراف للأسلحة المحرمة دوليا وانتشار الأسلحة؛
  • افتقار العدالة الجنائية لمعايير المحاكمة العادلة، بما فيها التعذيب والاختفاء القسري؛
  • الإبقاء على عقوبة الإعدام في جرائم يسيرة والقتل خارج إطار القانون؛
  • انتهاك حقوق الطفل بما فيه القواعد الإجرائية الخاصة بالحدث؛
  • ضعف أنظمة حماية المهاجرين واللاجئين والعمال الوافدين؛
  • انتشار التمييز والعنف والإساءة والتضييق ضد حقوق المرأة؛
  • معادات الحريات الشخصية والجنسية؛
  • أن الأطراف الدولية تتحرك بشكل محتشم وإلا لمصلحة أو أنها مضطرة.

أما أبرز الانعكاسات الأمنية التي عرفتها المنطقة، شملت مصر وليبيا كنموذجين؛ حيث احتكر الجيش المصري القوة من أجل استتباب الأمن، على حساب حقوق الإنسان مقابل استمرار الدولة، بينما انهارت ليبيا وانتشرت فيها الجماعات العنيفة والحروب الأهلية، وزادت حدة الانتهاكات، فيما عرفت تونس تجربة حقوقية وديمقراطية وانتقال سياسي كاد أن يكون ديمقراطي، سرعان ما باء بالفشل في الظرف الحالي نحو مصير مجهولة، كما يبدو أنها عاشت تجربة إصلاحية وديمقراطية لم تكن إلا مسكنات.

وبالتالي، فإن عنصر حقوق الإنساني عامل أساسي في الاستقرار، ما يعني أن الافتقار له يؤدي إلى هشاشة الدولة، جراء التصادم بين السلطة والمحكوم نتيجة المواجهة المطالبة بالتغيير، ويزيد من حدة الانتهاكات؛ مما يتطلب الاستجابة لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، عبر متنفس حقوقي مرن ضمن أجندة الدولة، والتفاعل مع المهتمين والمعنيين الرسميين وغيرهم دوليا وعالميا ومحليا، بما فيهم المنظمات الدولية غير الحكومية، من أجل قياس المؤشر الحقوقي باعتبارها سلطة خامسة.

فيما وزع القسم الثاني على فصلين هو الاَخر، شمل الفصل الأول “الحقوق ذات الصلة بالرأي والتجمهر والعدالة الجنائية”، فيما خصص الفصل الثاني “للحقوق ذات الصلة بالفرد والفئات الهشة والمستضعفة”؛ وقد خلص هذا القسم إلى أن موضوع الرأي والتعبير في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، لازال يعرف جملة من الانتهاكات، تختلف فيها درجة الخطورة باختلاف الدول، وتتنوع وسائل التضييق، بين ما هو إجرائي وزجري، وصل أحيانا حد الاعتداء والاختطاف أو إصدار أحكام زجرية ثقيلة تصل لدرجة الإعدام جراء التعبير عن وجهات نظر ذات طابع حقوقي أو سياسي أو ديني؛ وبالتالي فإن الحق في التعبير والرأي بالمنطقة يتصادم مع بعض الخطوط الحمراء التي تشمل ما يلي:

  • الإساء لهرم الدولة ورموزها ومؤسساتها الأمنية والعسكرية؛
  • الإساءة إلى الدين والهوية الثقافية؛
  • التواصل مع المنظمات الدولية والإعلام الدولي؛
  • المساس بالأخلاق الحميدة؛
  • تعكير صفوة العلاقات مع الدول الأجنبية الصديقة.

وانطلاقا من هاته القيود، يجد الأفراد أنفسهم مقيدين بمجموعة من الضوابط التي تفرض عليهم رقابة ذاتية، دون التعبير عن أراءهم الشخصية والدينية والحقوقية والسياسية.

أما حرية التجمع والتجمهر مسألة معقدة في المنطقة موضوع هذا البحث، مقيد بعراقيل إجرائية وبقيود زجرية، تتصدى له السلطات بالعنف، ولا يمكن ممارستها إلا بضوابط قانونية؛ ففي كثير من الأحيان تحدثت التقارير عن استعمال السلطات للقوة المميتة ضد المتظاهرين، وتقوض ممارسة هذا الحق بأساليب مختلفة، ترتكز على الإجهاض الاستباقي، وتعذيب المتظاهرين، وعزلهم عن العالم الخارجي بعقوبات سجنية ثقيلة تصل حد الإعدام، وتقييدهم بشرط استصدار الترخيص الإداري دون الاكتفاء بالتصريح، وإعلان حالة الطوارئ التي تفرض مصادرة الحقوق والحريات الأساسية بشكل استثنائي وحظر أي نشاط من هذا القبيل على اعتبار أنه ممارسة ماسة بالأمن أحيانا شأنه شأن العمل الإرهابي، بينما يعتبر أحيانا خروج عن طاعة ولي الأمر، فيما لا تتسامح إلى دول قليلة في بعض الحالات كما هو الشأن بالنسبة للمغرب.

وبنسبة لمسار العدلة الجنائية سجلت فيه مجموعة من الاختلالات المنافية للمعايير الدولية للمحاكمة الجنائية العادلة، تختلف فيها درجة الخطورة باختلاف الدول، من خلال الافتقار لمجموعة من المبادئ المتعلقة بقواعد الشرعية والمشروعية الجنائية وترشيد وحوكمة الضمانات الدنيا لحماية المعتقلين والمتصلة بشكل مباشر بحرية الأفراد، مع غياب ضمانات حماية حقوق المتهم، والإبقاء على المحاكم الاستثنائية؛ بالإضافة إلى استفحال بعض الممارسات المحظورة دوليا، والتي تشمل الاعتقال التعسفي، والاختطاف والتعذيب وغيرها من ضروب المعاملة القاسية والمسيئة، والعزل عن العالم الخارجي، وشيوع عقوبة الإعدام في الجرائم اليسيرة، بل والإعدام خارج نطاق القانون.

وحول قضايا الحريات الفردية الجنسية، فإن دول المنطقة تتمتع بخصوصية مستنبطة من الهوية الثقافية والدينية، والتي تجعل من مسألة ممارسة الحريات الفردية الجنسية أمرا منبوذ ومجرم، ولا يمكنها أن تتسامح مع ممارستها وتعتبرها أمرا مرفوض، سواء من حيث الممارسة الاتفاقية على المستوى الدولي، أو ضمان أي حماية على المستوي المحلي.

بيد أن وضعية النساء في المنطقة لازالت تعيش خلف الركب الإنساني، إذا أن النسوة لازلن يتعرضن لمجموعة من أشكال التمييز والإساءة والعنف بمختلف أشكاله بما فيه الأسري، بالإضافة إلى انتشار الاغتصاب وجرائم الشرف والتمييز ضدهن وممارسة الوصاية عليهن؛ وحسب ما هو واضح في التقارير، فإن الأسباب تعود للترسانة القانونية والممارسة والقضائية، ناهيك عن التمثلات الاجتماعية والثقافية في مخيال المجتمع والأفراد حول المرأة.

وبخصوص وضعية المهاجرين في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، تشوبها جملة من الممارسات اللاإنسانية ضدهم والمستضعفين بصفة عامة، والتي شملت العنف الذي كان أحيانا مميتا، وأشكال من العبودية في ظل غياب الوسائل القانونية والمؤسساتية لحماية هاته الفئة، وإن توفرت فإنها تظل محتشمة وتتطلب نماذج أكثر التلقائية وتقاطعية بين كل المعنيين والفاعلين.

وفيما يخص العاملات المنزليات فإنهن يتعرضن لجملة من الانتهاكات، يمكن اختزالها في إساءة استغلال القاصرات واغتصاب حقوقهن الفضلى، بينما أغلب العاملات يتعرضن لأشكال من الإساءة والعنف اللفظي والجسدي والجنسي، في ظل غياب وسائل الحماية وقنوات الإنصاف، وهشاشة الترسانة القانونية والمؤسساتية التي تجعل منهن أطرافا ضعيفة، فيما ترتقي بعض الممارسات أحيانا لدرجة الاسترقاق والحرمان من الحقوق الأساسية للعمال التي تشمل السلامة والصحة والراحة بشكل دوري والحق في الأجر.

وقد جاء في الخاتمة أن غياب حقوق الإنسان، يعطي الشرعية للفاعلين الخارجيين من أجل التدخل في الشؤون الداخلية، ويجعل من الجبهة الداخلية هشة أمامها، ونقطة تقاطعهم مع الفاعليين المعنيين بحقوق الإنسان، هي الشرعية الحقوقية التي يلتفون حولها من أجل بناء جسر وصل بين رعاة حقوق الإنسان والأفراد، والإعطاء إملاءات حولها.

وبالرجوع إلى ما قدمته منظمة “هيومن رايتس ووتش”، فإنها تفضلت بمادة دسمة حول واقع حقوق الإنسان بالمنطقة، من خلال تغطيتها لأهم الأحداث التي رسمت المشهد الحقوقي في المنطقة، والتي سلطت الضوء على مجموعة من القضايا المتصلة بحقوق الإنسان، باختلاف درجة الخطورة بين دولة وأخرى، والمتمثلة فيما يلي:

  • انتهاك حقوق الطفل بما فيها القواعد الإجرائية الخاصة بالحدث؛
  • مصادرة حرية التعبير والرأي والصحافة بقيود إجرائية وزجرية؛
  • حظر حرية التجمع أحيانا والعنف ضد التجمهر السلمي؛
  • ضعف المؤشرات الديمقراطية في عمليات الانتقال السياسي؛
  • انهيار الأمن في بعض الدول وانتشار المليشيات والجماعات المسلحة والمتطرفة؛
  • لجوء بعد الأطراف للأسلحة المحرمة دوليا وانتشار الأسلحة؛
  • وقوع انتهاكات ضد الإنسانية وحقوق الإنسان؛
  • افتقار العدالة الجنائية لمعايير المحاكمة العادلة، مما يعرض الأفراد للتعذيب والاختفاء القسري؛
  • الإبقاء على عقوبة الإعدام في جرائم يسيرة وتفشي القتل والإعدام خارج نطاق القانون؛
  • ضعف أنظمة حماية المهاجرين واللاجئين والعمال الوافدون والعاملات المنزليات؛
  • انتشار التمييز والعنف والإساءة والتضييق ضد حقوق المرأة؛
  • كما أن السلطات لا تتسامح مع الحريات الشخصية والجنسية؛
  • وأن الأطراف الدولية لا تتحرك إلا بشكل محتشم إما لضغوطات أو بسبب الإحراج أو لمصلحة، عكس إذا ما تعلق الأمر بعدو مفترض.

وقد نبهت الرسالة في الخاتمة، إلى ضرورة اعتبار أن حقوق الانسان مطلب أساسي لتقوية الجبهة الداخلية للدولة، مع مراعاة الخصوصية، شرطا أن لا تصل لدرجة الانتهاكات الجسيمة والجرم في حق الافراد والجماعات، كما أن المتنفس الحقوقي هو بمثابة ممتص للصدام التي يخلفها الضغط جراء تقويض حقوق الإنسان، ولكون أن هشاشة حقوق الإنسان يهدد صلابة الدولة داخليا ثم سيادتها أمام الأجنبي، فإن عنصر حقوق الإنسان معادلة أساسية في تحصين أمن الدولة وتماسكها داخليا، مما يتطلب تحقيق الأمن الحقوقي عبر بناء منظومة متكاملة ومندمجة لحقوق الإنسان، وتعزيز المناعة الداخلية والخارجية، للحيلولة دون السماح لمبرر الضمير الانساني أن يكون دريعة لإعطاء الشرعية للجهات الخارجية في تجاوز مبدأ السيادة الذي أضحى هشا بفعل الديمقراطية وحقوق الإنسان في ظل نظام دولي يقوم على مبادئ وقيم الليبرالية.

هذا النظام الذي يبدوا فيه الكل ضد الكل، وتسود فيه القوة والمصلحة، إذ أن الأنظمة الغربية التي تسيطر على النظام الدولي ترى في الأنظمة المستبدة أنها عدو مفترض، وفي ظل غياب عناصر القوة في الواقع الدولي، فإن الضرورة تستدعي الانسجام في منظومة المبادئ والقيم الإنسانية والديمقراطية وفق المعايير الكونية مع مراعاة الخصوصية وأن تتلاءم وتتوافق من دون أن تتعارض، شرط ان لا تصل لدرجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وأن تهدف إلى صيانة كرامة الأفراد والجماعات والفئات.

ولا يمكن أن يستوي هذا الانسجام إلاّ من خلال التعاون مع مناصرين مستقلين ومتخصصين يحظون بثقة وسمعة عالمية، كما هو الحال بالنسبة للمنظمات الدولية غير الحكومية والمعنية بحقوق الإنسان، من أجل الحصول على مرآة لحقوق الإنسان وتقييم مسار البناء والاصلاح بالنسبة للدول التي تتبنى مشروع إصلاح منظومة حقوق الإنسان، وتأكيد صدق مشروعها الحقوقي والإنساني وحسن نيتها.

وعليه فأن هاته العملية تمكن الدولة من تشغيل مضاضتها الحقوقية وتسهيل عملية التعاون مع الجهات الخارجية بما فيها الهيئات الدولية والمنظمات الدولية غير الحكومية، التي تؤدي أداء قوي وترافع بمردودية أكثر، بل وفرضت وجودها ندا للند في مواجهة الدولة أمام المجتمع الدولي والعالمي، وتنوير الرأي العام الداخلي بحقوقهم، ما يفرض على الدولة معرفة السمعة الدولية الحقوقية لها، من خلال قراءة انطباع المنظمات غير الحكومية المهتمة بحقوق الانسان دون حرج أو حذر، وألا يكون حقوق الإنسان وسيلة دبلوماسية للمرافعة الخارجية، بل قناعة من الدولة للتحقيق التلاحم والصلابة الداخلية، من خلال صيانة كرامة حقوق الإنسان؛ لذلك فإن منظومة حقوق الإنسان، هو جزء من السياسات الأمنية التي تقتضي التسلح بالأمن الحقوق، وبناء مناعة ضد المبرر الإنساني لتجاوز السيادة المقدسة شأنه شأن قداسة حقوق الإنسان، دون أن يجعل من قضايا حقوق الإنسان وسيلة للابتزاز السياسي، وتأمين سيادة الدولة على حقوق الإنسان، والتفاعل مع المنظمات الدولية قصد تقييم السياسة الحقوقية.

كما أن عملية الصدام نحو التغيير والإصلاح الحقوقي غير مضمون العواقب وماَله الانتهاكات ضد حقوق الإنسان والإنسانية، غير أن الصواب هو كون حقوق الإنسان ليس إلا نتيجة لتطور حقوقي فكري مجتمعي وثقافي وسياسي عبر التاريخ تعكسه بيئة اجتماعية، تحتاج إلى زمن من النضج الحقوقي لإنتاج نموذج محلي وفق الضمير الإنساني مع مراعاة الخصوصية، لا أن يستورد من بيئة وخلفية وتجربة مختلفة تماما، وتطبيقه على بيئة لم تشهد نفس التجربة التاريخية.

ثم إن السؤال الذي يفرض نفسه، هل استطاعت الدول المتخلصة من الأنظمة الشمولية أن تضمد جراحها من الفوضى العارمة، أم أنها أضحت دول فاشلة غير قادرة على تحقيق النموذج الديمقراطي الحقوقي؛ ثم إن العالم يشهد تغير في الخريطة السياسية الدولية، وصعود قوى أخرى تمثل مدارس تختلف مع النموذج الغربي، الأمر الذي يستدعى التكييف مع هذا المتغير وفق أسس بنيوية؛ والرهان هنا يقع على عاتق مجلس التعاون الخليجي وشركائه للتكتل ومجابهة هذا النموذج دون مقاومة تصادمية، إذ يرى فيه أعضاؤه أنه مستقبل المنطقة الذي من الممكن أن يلعب هذا الدور، لكون مصالح الدول فيه تتقاطع مع بعضها البعض، ويتألف من دول عاقلة، تستطيع تبني إطار ديمقراطي يراعي الخصوصية والثوابت، غير أن قطر كدولة يجب أن تنتبه إلى هذا الرهان وتكون أكثر نضجا، مع البقاء على الحذر المشروع من دول المنطقة، دون أن يؤثر على مستقبل المنطقة الأمني والسياسي، ويصل لدرجة اتخاذ مواقف هجومية من دول المنطقة، واللعب على وثر الاستقرار السياسي من خلال الابتزاز الإعلامي ودعم الجماعات العنيفة، مادامت مواقفها مبنية على شكوك لا غير.

وفيما يخص البحث العلمي، فقد أدى تعثر الارتقاء بالمنظومة العلمية لحقوق الإنسان إلى إهمال دارسة التقارير الدولية لحقوق الإنسان كأدوات للقياس الحقوقي، مما يقتضي من كل الأكاديميين الارتقاء بحقوق الإنسان إلى حقل علمي معرفي مستقل بأدوات ومناهج ومدارس خاصة به يستطيع من خلالها الباحث تحليل وتفسير ظاهرة حقوق الإنسان، ومن جهة أخرى أن تنكب البحوث العلمية والجامعية على الاهتمام بالمنظمات غير الحكومية والتقارير التي تصدرها، وتطوير تقنيات قراءتها وفق منهج أكاديمي، وتعزيز التعاون القطاعي للدولة وتأهيله قصد مواكبة هذا المتغير.