أطروحة الدكتوراة: الانتهاكات الجسيمة لحقوق النساء خلال سنوات الرصاص

للباحث: الصديق كبوري

تقرير حول مناقشة أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام

احتضنت قاعة الندوات بكلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية والقانونية بوجدة يوم السبت 21 دجنبر 2023 ابتداء من الساعة العاشرة صباحا مناقشة أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام تقدم بها الطالب الصديق كبوري بعنوان: “الانتهاكات الجسيمة لحقوق النساء خلال سنوات الرصاص” والتي أشرف عليها الأستاذ: محمد سعدي.

كانت لجنة المناقشة تتكون من السيدة والسادة الاساتذة: د بنيونس مرزوكي أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق ـ وجدة، بصفته رئيسا وعضوا، د محمد سعدي أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بوجدة بصفته مشرفا وعضوا، د أحمد البوز أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق ـ الرباط السويسي بصفته عضوا، دة خديجة امعيوة أستاذة مؤهلة بكلية الحقوق وجدة بصفتها عضوة، د عباس بوغالم أستاذ مؤهل بكلية الحقوق ـ وجدة بصفته عضوا، د زين العابدين حمزاوي أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق ـ وجدة بصفته عضوا.

في بداية الجلسة تناول الأستاذ بنيونس مرزوقي الكلمة ورحب بجميع أعضاء اللجنة كل واحد باسمه وصفته، كما شكر جميع الحضور من طلبة وأساتذة وعموم المواطنات والمواطنين، كما شكر الأستاذ المشرف على تشريفه برئاسة الجلسة، وعلى حسن اختيار الموضوع. عقبه تناول الكلمة بالتوالي السيد المشرف على الأطروحة الذي بين أهمية هذا الموضوع خصوصا بعد مرور نصف قرن عن انطلاق مسلسل العدالة الانتقالية على المستوى العالمي، ومرور عشرين سنة على تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة. كما أشار إلى أهمية مقاربة النوع التي لم تحظ بحضور كبير في جميع إجراءات هيئة الانصاف والمصالحة.

تناول الكلمة فيما بعد الطالب الباحث وقد بين فيها أن المغرب شهد خلال الفترة الزمنية ما بين 1956 وبداية التسعينيات من القرن الماضي سنوات عصيبة وأليمة اكتوى بلظاها جزء من الشعب المغربي، حتى بات يطلق عليها في التداول السياسي والحقوقي والإعلامي نعت سنوات الرصاص (Les années de plomb). ومردّ هذه التسمية أنه خلال المرحلة المومأ إليها ارتكبت بعض أجهزة الدولة، وبشكل ممنهج ومتواتر، انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد كل مخالف في الرأي؛ حيث مورس العنف بشكل مبالغ فيه لسحق  المعارضين السياسيين، ومحيطهم من مختلف الانتماءات والتوجهات الإيديولوجية والمشارب الفكرية والمناطق الجغرافية والفئات الجنسية والعمرية والاجتماعية.

لقد وصل الخلاف بين النظام السياسي والمعارضة خلال سنوات الرصاص إلى نقطة اللاعودة ، فاستعمل العنف المسلح من الطرقين، ووقعت خلال المرحلة المومأ إليها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، اتسمت بالتواتر الممنهج، إلى درجة أن بعضها يرتقي إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية طبقا للتعريفات التي يقدمها القانون الدولي لهذا النوع من الجرائم،  حيث مارست الدولة أقصى درجات العنف السياسي ضد مختلف المعارضين تحت غطاء امتلاكها لوحدها المشروعيتين الوطنية والدينية، وبمبرر أنها وحدها من يملك صلاحية استعمال العنف المشروع للحفاظ على أركان الدولة.

الملاحظ أن العنف السياسي خلال سنوات الرصاص تميز بطابع الشمولية، حيث عم كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وهو نتيجة حتمية لانغلاق مسالك الحوار بين الحكم والمعارضة، واستشراء ثقافة العنف. وبذلك أصبح منطق القوة هو السائد بدل قوة المنطق والحوار السلمي، فوقعت أحداث مؤلمة ستبقى موشومة في الذاكرة المشتركة للمجتمع المغربي، بحكم ما كان لها من تأثيرات واسعة على مختلف الفئات الاجتماعية، وعقبة كأداء أمام دمقرطة الحياة السياسية.

لقد طال العنف السياسي الذي مارسته الدولة كل المناطق والفئات، وكان نصيب النساء وافرا بحكم أن فئة النساء كانت هي الفئة الأكثر استهدافا خاصة في المناطق التي عرفت بالصراعات مثل خنيفرة وإملشيل وفجيج ومنطقة الريف وأزيلال ومولاي بوعزة والصحراء المغربية وغيرها، فقد تعرضن للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب والعنف الجنسي. وقد نجم عن هذا العنف عدة آثار مادية وجسدية ونفسية، ناهيك عن تعرضهن للوصم الاجتماعي والنبذ والتهميش والإقصاء وسوء المعاملة، رغم أنه لم تكن لهن أية صلة بالسياسة وتفاصيلها، وذنبهن الوحيد هو وجود علاقات قرابة تربطهن بمعارضين (المعارضة بنوعيها السياسية والمسلحة) لسياسات الدولة،أي فقط لأن القدر اختارهن ليكن بنات أو أخوات أو أمهات أو زوجات لخصوم سياسيين للدولة وفي بعض الأحيان جعلهن سوء حظهن يتواجدن في زمان ومكان غير مناسبين.

زيادة على ذلك، فالنساء عانين كثيرا من العنف السياسي الذي مارسته الدولة فبعضهن أصبن بعاهات مستديمة لازمتهن مدى الحياة، ومنهن من ترملن وهن في ريعان الشباب، ومنهن من حرمن من فرص الزواج لأنهن اعتقلن وهن شابات ولم يتم الافراج عنه حتى تقدمن في السن وحرمن من الأمومة، ومنهن من حرمن من متابعة الدراسة واعترتضهن عدة صعوبات لضمان دخل قار يحقق استقلالهن المادي ويضمن كرامتهن، ومنهن من حرمن من أبسط الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تضمنها لهن القوانين الوطنية والمواثيق الدولية، ومنهن من فرض عليهن النفي والابتعاد عن الوطن…

غير أنه في مطلع تسعينيات القرن الماضي سيعرف المغرب تحولات سياسية غير مسبوقة، تختلف جذريا عن السلوكات التي نهجتها الدولة في تعاملها مع المعارضة السياسية زهاء أربعة عقود من الزمن، توجت بتنصيب حكومة التناوب التوافقي سنة 1998، بعد إطلاق سراح أغلب المعتقلين السياسيين، والشروع في تسوية الملفات العالقة في مجال حقوق الإنسان.

بذلت الدولة في المرحلة المشار إليها جهودا مهمة لطي صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وعبّرت عن الإرادة السياسية لإحداث التغيير المنشود، وهو ما تفاعل معه المجتمع بشكل إيجابي نظرا لحاجة المغرب للمصالحة السياسية والتاريخية، فحصل التوافق بشأن العدالة الانتقالية وتدبير انتقال الحكم حيث كان المدخل للعدالة الانتقالية المغربية سياسيا،  وفي هذا السياق يمكن أن نلحظ التحول الجذري في العلاقة بين الدولة وجزء من المعارضة والتي عرفت ميلا نحو المهادنة والتهدئة، وانتقلت من حالة الصدام والتنافر إلى حالة التوافق والتراضي.

لقد استحضرت الهيئة مقاربة النوع وحاولت إدماجها في عملها بشكل عرضاني، فاعتمدت استراتيجية شاملة يستخدم فيها المنظور الجنساني كمبدأ تنظيمي ولكن دون إنشاء هيئة محددة معنية بمعالجة الشؤون الجنسانية. ويمكن تلمس البعد الجنساني على مستوى بعض الإجراءات الجريئة التي أقدمت عليها لاحقا،  والمقصود  أساسا هو البحث الميداني الذي شمل سبعة مناطق من المغرب كانت مسرحا للانتهاكات الجسيمة التي استهدفت النساء والذي أنجزته الباحثة الأنتروبولوجية نادية جسوس حول العنف السياسي ضد النساء لفائدة هيئة الإنصاف والمصالحة من جهة والذي يعتبر قيمة مضافة في عمل الهيئة بخصوص مقاربة النوع، وتفعيلها لمبدأ المساواة بين الجنسين كمبدأ أساسي من مبادئ حقوق الإنسان في عملية جبر الضرر الفردي والجماعي ضمانا للإنصاف، وإدراج بعض الانتهاكات الجسيمة التي تعرّضت لها النساء خلال سنوات الرصاص كانتهاكات فرعية، وهو ما حقق في نظرنا قفزة نوعية في مجال مقاربة النوع غطت نسبيا على النقائص التي اعترت تجربة هيئة التحكيم المستقلة في هذا المجال.

لقد بين الباحث أن موضوع الانتهاكات الجسيمة لحقوق النساء خلال سنوات الرصاص يكتسي أهمية قصوى، فهو من المواضيع التي تتسم براهنتيها الآنية، وحمولتها التاريخية والحقوقية. وتكمن أهمية الموضوع أيضا في اعتباره مدخلا ضروريا ولا غنى عنه للإلمام بالدور الذي قامت به النساء في النضال الديموقراطي، وملامسة تضحياتهن ومعاناتهن الجسيمة في سبيل ذلك، وإبراز كل أشكال العنف التي مورست عليهن إسوة بالرجال، وبيان خصوصية العنف الذي لحق الذوات النسائية، وفهم مختلف الأدوار التي اضطلعن بها في مرحلة سنوات الرصاص، خاصة وأن هذه الأدوار قد همشت من طرف التاريخ الرسمي. لذلك عمل

وفيما يخص هندسة البحث، فقد قسم الباحث أطروحته إلى قسمين:

تطرق في القسم الأول للعنف السياسي الذي مورس ضد النساء خلال سنوات الرصاص، وميزنا فيه بين أنواعه ونتائجه، وجَرَدنا بعض آثاره بالنسبة للضحايا والمجتمع على السواء. كما تطرقتا للصمود البطولي للنساء ومقاومتهن للتصدي للانتهاكات الجسيمة ومواجهة العنف السياسي، والتعريف بأدوارهن الرائدة في رفد الحركتين النسائية والحقوقية بالأطر المتمرسة على مستوى الفكر والممارسة، كما تناولنا إسهام الضحايا في حفظ ذاكرة سنوات الرصاص من النسيان عبر الشهادات والمرويات والكتابات والسير الذاتية.

وفي القسم الثاني تطرق في القسم الثاني لتعدد القراءات حول الانتهاكات الجسيمة التي مست النساء، فالموضوع استقطب اهتمام بعض جمعيات المجتمع المدني ومنها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي قامت بمواكبة نقدية لعمل هيئة الإنصاف والمصالحة وقامت بتنظيم جلسات استماع عمومية خصصت إحداها للنساء،كما شكّل أرضية لبعض الأعمال الأدبية والفنية، يضاف إلى ذلك أن هيئة الإنصاف والمصالحة تعاطت مع الانتهاكات التي مستهن، وحاولت قدر الإمكان الاستجابة لمطالبهن، ومراعاة احتياجاتهن، واعتماد مقاربة النوع بشكل يتميز عن تجربة هيئة التحكيم المستقلة رغم النقائص التي تسجل في هذا الإطار.

وقد أنهى الطالب الباحث عرضه بتقديم عدة خلاصات وتوصيات لعل أبرزها تتمثل في تلك التي ترفعها الحركة الحقوقية في كل المناسبات والتي تقضي بضرورة تفعيل التوصيات الصادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة فيما يتعلق بالحقيقة وجبر الضررين الفردي والجماعي والاعتذار وحفظ الذاكرة والإصلاح الدستوري والتشريعي والتربوي.،

وعقب تقديم الطالب الباحث تناول الكلمة أعضاء اللجنة بالتناوب حيث تناولت جوانب الشكل والمضمون، ومن بين الملاحظات التي سجلناها في المداخلات:

ـ عدم وضع الباحث لمسافة بينه وبين موضوع الدراسة، لصعوبة الفصل بين الذات الدارسة وموضوع الدراسة في العلوم الإنسانية؛

ـ غياب التحديد الزمني لموضوع الدراسة، أي لفترة لسنوات الرصاص بالمعرب؛

ـ اعتبار الأطروحة تأسيسية في مجال العدالة ومقاربة النوع، لندرة الكتابات حول الموضوع؛

ـ عدم التركيز على مقاربة الطيف الحقوقي للموضوع، خاصة المنظمات الحقوقية الكبرى مثل المنظمة المغربية لحقوق الإنسان والمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف؛

ـ اعتبار أن طي ملف الانتهاكات الجسيمة حصل بمجرد استقبال الملك لأعضاء الهيئة وتقديم التقرير الختامي؛

ـ اعتذار الملك في الخطاب الذي ألقاه أمام الهيئة أثناء تقديم التقرير النهائي وتبنية للصفح بالمعنى الديني؛

وعقب تدخلات السيدة والسادة الأساتذة التي كانت غنية وثرية، تناول الطالب الباحث الكلمة لتقديم بعض التوضيحات حول مسألة الموضوعية في العلوم الإنسانية، ومسألة تحديد فترة سنوات الرصاص، والاعتذار في التجربة المغربية، ودواعي التركيز على الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ليتم بعد ذلك رفع الجلسة للمداولة

وفي الأخير، قررت اللجنة قبول أطروحة الطالب الصديق كبوري ومنحه درجة دكتور في القانون العام بميزة مشرف جدا.