تقرير عن الندوة العلمية حول: “المجتمع المدني ودوره في الوساطة والتوفيق”


   تقرير الندوة العلمية حول:

“المجتمع المدني ودوره في الوساطة والتوفيق”

الأربعاء 27 أبريل 2022

نظم المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية و غرفة التحكيم والوساطة بتاريخ 27 ابريل 202  ندوة علمية ”عن بعد” حول موضوع”: المجتمع المدني ودوره في الوساطة والتوفيق”،   وذلك على الساعة  22:00 ليلا.

وقد تم افتتاح هذه الندوة من طرف الأستاذة “كريمة الصديقي” عضو المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية، والتي رحبت في البداية بكل المساهمين في هذه الندوة العلمية، كل باسمه، كما رحبت بكل المتتبعين والمتتبعات، لتنتقل بعد ذلك لتأطير موضوع الندوة، من خلال تبيان أهميته وأهمية الدور الذي يلعبه المجتمع المدني في تعزيز وحماية وتحسين حقوق الإنسان في كل أنحاء العالم، حيث تعمل مجموعة من العناصر الفاعلة داخل المجتمع المدني من منظمات غير حكومية ونقابات عمالية وجمعيات من اجل مستقبل أفضل، ومن اجل تحقيق العدالة والمساواة واحترام الكرامة الإنسانية.

فالعناصر الفاعلة في المجتمع المدني تقوم بتأدية عملها في مجال حقوق الإنسان، عبر طرق متعددة:

  • عبر حمل هموم المواطن والرأي العام.
  • العمل على رأب التصدعات والاختلالات في المجتمعات التي تعاني من مجموعة من الصراعات، والتي تعاني من التهميش والحرمان.
  • تبادل المعلومات ومناصرة ومراقبة تنفيذ معايير حقوق الإنسان والتبليغ عن الانتهاكات التي قد تمسها.
  • مساعدة ودعم ضحايا الانتهاكات.
  • إطلاق حملات من أجل تطوير معايير جديدة لحقوق الإنسان، وتقديم المشورة بشأن السياسات لدفع جدول الأعمال الخاص بحقوق الإنسان، والمساهمة في توفير نظام حماية فعال على الصعيد الوطني وتقديم التدريب في هذا المجال.

فالمجتمع المدني الحيوي والمتنوع والمستقل والقادر على العمل بحرية، والمنوط بالمعرفة والمهارة في مجال حقوق   الإنسان ،هو عنصر أساسي في تمكين حماية مستدامة لحقوق الإنسان في كافة مناطق العالم.

بعد ذلك تم تقديم الكلمة للمتدخلين.

المداخلة الاولى للدكتور سعيد بلفقيه باحث في قضايا المجتمع المدني والديمقراطية  التشاركية حول:أي دور للمجتمع المدني في حماية منظومة القيم.

فبعد تقديم الشكر والتحية، تناول المتدخل  موضوعه بالتأكيد على أهمية وراهنية الموضوع الذي اختاره للمساهمة به في هذه الندوة، وهو موضوع القيم. فلقد اعتبر  أن أهمية المجتمع المدني ممتدة في التاريخ، وأنه شكل على المستوى الدولي محط نقاش وتداول لدى المفكرين منذ الحقبة اليونانية إلى هذه اللحظة. والذين أكدوا  على أهميته وجوهريته وطلائعيته في المنظومة المجتمعية بصفة عامة.

كما  أشار إلى أن المجتمع المدني، وعلى المستوى الوطني، قد أكد حضوره وأهميته في محطات عديدة،  وتحديدا بين الفترة الممتدة من الاستعمار الفرنسي إلى اللحظة الراهنة. حيث أكد على الدور الذي لعبه المجتمع المدني في المساعدة على تحرير المغرب من الحماية والانعتاق من قيود المستعمر، من خلال التوعية والتحسيس،  وحضوره في الجبهات الأمامية لمعارك التحرير، وخصوصا التحرير الفكري. لأن المستعمر كان يشتغل على مستويين، المستوى العسكري والمستوى الفكري، ولا أدل على هذا الأخير من الظهير البربري والتقسيم الجغرافي بهدف الغزو الفكري والثقافي.

وقد تناول المجتمع المدني ودوره خلال مجموعة من المحطات، وكذا القيم التي كرسها ودافع عنها، حيث اعتبر أنه، وخلال محطة ما بعد الاستقلال سيتم الانتقال إلى مرحلة كان يحضر فيها الفكر في ازدواجيته العربية والأمازيغية ثم الفكر الفرنكوفوني، حيث ذهب الاستعمار العسكري وبقي الاستعمار الفكري، وقد حاول المجتمع المدني في هذه المرحلة المحافظة على الهوية الوطنية والتحرر من التبعية الفكرية مع الارتقاء بالفكر المحرر وإعلاء قيمة القيم و الدفاع عن الهوية المغربية بكل مكوناتها ومشاربها وتفرعاتها، مع تحرير الفكر المغربي من التبعية الفرنكوفونية. وقد كانت القيم الأساسية التي تم الدفاع عنها في هذه المرحلة هي قيمة الارتقاء بالفكر المحرر، ثم قيمة التعليم والتعلم  بالنظر إلى محاولة الاستعمار جعل المجتمع المغربي أميا.

كما أكد على ما عرفه المجتمع المغربي بعد الاستقلال من اصطدام لبعض مكوناته بالنظام القائم، ليس بهدف تعديل أو تغيير أو جر البساط من تحت أرجل النظام، ولكن لمواجهة المنطق الاحتكاري للسلطة أو العمودية السلطوية، لهذا كانت الدعوى إلى أفقية السلطة وأفقية التدبير المجتمعي، مع وجوب الأخذ بآراء وتصورات كل المجتمع المدني ومناهضة احتكارية السلطة وعموديتها.

وقد تم الانتقال من هذه المرحلة الاصطدامية إلى مرحلة التوافق مع السلطة، وهو ما أفضى إلى قبول كل الأطراف لبعضها البعض مع اتساع بوتقة التوافق، والأخذ بآراء غير المدبرين الرسميين والفاعلين الموازين ومن بينهم مكونات وفاعلي المجتمع المدني. وبالتالي الوصول الى ديمقراطية أو دمقرطة المشاركة قبل الوصول إلى المشاركة الديمقراطية، وإلى الديمقراطية التشاركية التي أكد عليها الدستور وتمت دسترتها.

واعتبر أن قيمة التدبير التشاركي أصبحت قيمة من القيم الديمقراطية على المستوى العالمي وليس الوطني فقط. وهو معطى سوسبو سياسي على مستوى القيم.

وقد أكد المتدخل  على أن المجتمع المدني أصبح يحصن مجموعة من القيم، بل وأكثر من ذلك أصبح منتجا للقيم. وهذه الأدوار التي أضحت تلعبها مكونات المجتمع المدني جعلته يتمكن من إنتاج القيم وليس فقط حمايتها والترافع حولها. ولعل من اهم هذه القيم قيمة التربية على الديمقراطية من أجل التداول على السلطة والتنشئة الحقوقية والرقي بالفكر الجمعي، مع تقوية النزعة الجماعية على النزعة الذاتية أو الفردانية، أي مجابهة مواجهة الفردانية،  وإذكاء المشاركة العمومية، والانخراط في كل ما هو عمومي.

وقد ختم تدخله بالتأكيد على قيمتين أساسيتين وهما:

  • تحرير الطاقات خصوصا الطاقات الشبابية والنسائية للخروج من تحت وطأة العقلية الأبيسية/الأبوية
  • محاربة الاغتراب الفكري، حيث يشعر به الشباب وهم بداخل أوطانهم. فأنشطة المجتمع المدني تكرس الحس بالوطنية والانتماء.

المداخلة الثانية للأستاذ حاميد زيار باحث في مركز الدكتوراة كلية الحقوق- السويسي- الرباط، حول: دور المجتمع المدني في حماية الحقوق والحريات

بعد التحية والشكر، أشاد بأهمية الموضوع وبراهنيته خصوصا في ظل التحولات التي يعرفها العالم. وقد انطلق من محور أول حول تطور المجتمع المدني بالمغرب ليصل إلى محور ثان حول مساهمة المجتمع المدني في تكريس الحقوق والحريات اعتمادا على دور الوساطة

المحور الأول: مراحل تطور المجتمع المدني بالمغرب

المرحلة الأولى:  حيث اعتبر أن الحديث عن المجتمع المدني بالمغرب ارتبط بثلاثينيات القرن الماضي، وتحديدا مع الحركة الوطنية، حيث كانت هنالك إشارة إلى وجود مؤسسات ولو أنها تقليدية كالزاوية والكتاب ثم القبيلة، وهي مؤسسات كان لها حسب محمد عابد الجابري دور مهم خصوصا وأنها ارتبطت بميلاد الحركة الوطنية سنة 1934.

فالمجتمع المغربي إلى حدود ثلاثينيات القرن الماضي حسب الجابري كان مجتمعا تؤطره الزاوية والقبيلة. أما بالنسبة للمجتمع فقد كان هناك إطاران اجتماعيان متداخلان ينتظمان فيهما أطراف المجتمع المغربي هما القبيلة والطريقة الصوفية أو الزاوية. أما الدولة/ المخزن فقد كانت جهازا فوقيا يستمد سلطته ووجوده وفاعليته من نوع العلاقة التي يقيمها مع الإطارين المذكورين.

وأشار إلى أن  بوادر التشكل قد بدأت من هنا بالنسبة للمجتمع المدني ولو في شكله التقليدي خاصة وأنه ارتبط بمرحلة تاريخية كان فيها المغرب يخضع للاستعمارين الفرنسي والإسباني. كما شهدت هذه المرحلة ميلاد مجموعة من الأحزاب السياسية كحزب كتلة العمل الوطني وحزب الإصلاح الوطني وحزب الوحدة المغربية.

وهذا التشكل كان هاجسه الأول هو مجابهة المستعمر، والعمل على تقوية مكونات الشعب المغربي والتعبئة لهذه القضية.

  • المرحلة الثانية فهي مرحلة ما بعد الاستقلال، أي منذ سنة 1958، حيث تم إصدار ظهير الحريات العامة، والذي شجع على نمو الحركة الجمعوية، خصوصا انه في هذه المرحلة كانت لها وظائف مرتبطة بالحركة الوطنية، وهي التعبئة وإبراز نخب معينة في هذه المرحلة.
  • المرحلة الثالثة والتي تزامنت ومنتصف الثمانينات، والتحولات التي عرفها العالم وانهيار الثنائية القطبية وتأثير ذلك على جميع دول العالم بما فيها المغرب. هذا الأخير الذي سيعرف تطور كبير على مستوى المجتمع المدني من خلال تأسيس جمعيات غير حكومية، لها أهداف متعددة، وتصب في مجالات عديدة، حيث بلغ عدد الجمعيات رقما مهما جدا. كما أصبحت هي الطرف المفضل لمخاطبته من طرف الجهات المانحة والممولة للبرامج التنموية، لأنها تستجيب لحاجيات المواطنين.
  • والمرحلة الرابعة في تسعينيات القرن الماضي ومع الانفراج السياسي الذي عرفه المغرب، من خلال الإفراج عن المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين، ثم تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، مع الإصلاحات الدستورية لسنة 1992 ولسنة 1996، والتي نصت على ضرورة احترام حقوق الإنسان كما هو متعارف حولها دوليا ثم المطالب التي رفعتها مجموعة من الأحزاب للمؤسسة الملكية مع حكومة التناوب مع عبدالرحمن اليوسفي.
  • المرحلة الخامسة: حيث استمرت هذه التطورات لغاية سنة 2011 مع الربيع العربي والحركية التي عرفها المجتمع العربي، والمغرب بدوره عرف هذا التحول، في ظل تنامي الحركة الاحتجاجية، خاصة مع حركة 20 فبراير التي نادت بإسقاط الفساد وتحقيق الديمقراطية. وقد توج هذا الحراك بتعديل دستوري. وانتخابات سابقة لأوانها. حيث ركز دستور 2011 لأول مرة على اسم المجتمع المدني مما منحه قوة مهمة بالإضافة إلى ربطه وارتباطه بالديمقراطية التشاركية.

وقد أكد في هذا المحور على ضرورة استحضار العلاقة التي كانت ما بين الدولة والمجتمع المدني. ذلك أن ما وصل إليه المجتمع المدني قد جاء نتيجة علاقة صدامية منذ سنة 1965، حيث عرف المغرب حالة الاستثناء والدور الذي لعبه المجتمع المدني حينها وكذا سنة 1981  و1982 وانتفاضة 1974 وأحداث 14 دجنبر 1990 حيث طالب باحترام حقوق الإنسان ودافع عن المجتمع تجاه الغلاء وارتفاع الأسعار.

المحور الثاني: مساهمة المجتمع المدني في تكريس الحقوق والحريات اعتمادا على دور الوساطة.

فيما يتعلق بالدور الذي تلعبه مكونات المجتمع المدني نتحدث بالضبط عن الجمعيات الحقوقية التي كان لها دور أساسي في الكشف عن مجموعة من الحقائق بالدفاع عن حقوق المواطنين خاصة في فترة سنوات الجمر والرصاص.

حيث نتحدث عن تزمامرت حيث سيتم طرح سؤال حول هذا السجن من طرف ايت يدر. وهكذا بدأت حركية المجتمع المدني على مستوى الحقوقي تتبلور تدريجيا وترفع من سقفها النضالي خاصة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان والعصبة المغربية لحقوق الإنسان. وهذه الجمعيات الثلاث ستشكل مبادرة لقيادة الجمعيات الحقوقية.

كما أشار إلى مشاركة جمعيات المجتمع المدني خاصة في المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتي اعتبرت أنها قوة اقتراحية وفعالة مع باقي الفاعلين الآخرين، وكذلك دعم الضحايا من اجل خلق هيئة الإنصاف والمصالحة.

غير أن جمعيات المجتمع المدني لم تقتصر على الجانب الحقوقي فقط، بل نجد جمعيات حماية المستهلك والدور الذي تلعبه في الوساطة بين المواطنين وكذلك الدولة من خلال مجموعة من المذكرات المطلبية التي تقدمت بها على مستوى ارتفاع الأسعار والسلع المغشوشة وغيرها من الأمور التي تهم صحة المواطن.

كما شاركت الجمعيات الحقوقية في الحركات الاحتجاجية التي عرفها المغرب خاصة في الآونة الأخيرة، كالاحتجاجات التي يقوم بها الأساتذة المتعاقدون حيث تدخلت مجموعة من الأحزاب والنقابات لإيجاد حلول لهذا الملف.

كذلك أشار إلى أحداث جرادة والحسيمة والدور الذي لعبته مكونات المجتمع المدني حيث دعا تحالف والذي ضم حوالي 21 جمعية إلى ضرورة إطلاق سراح معتقلي الحراك سواء جرادة أو الريف ومعالجة هذه الأزمة بوضع تصور وطرح بدائل اجتماعية واقتصادية عوض نهج سياسة قمعية تجاه المتظاهرين.

وقد ختم تدخله بذكره لتعدد أغراض جمعيات المجتمع المدني، بحيث إن الجمعيات الحقوقية تروم الدفاع عن الحقوق والحريات العامة، بينما الجمعيات النقابية تدافع عن المطالب العمالية، إضافة إلى جمعيات ذات أغراض اجتماعية وثقافية.

كما أشار إلى مسالة استرزاق بعض جمعيات المجتمع المدني مشيرا إلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

المداخلة الثالثة، ذة. سمية بومروان باحثة بسلك الدكتوراه بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء حول: دور المجتمع المدني في تكريس الحكامة الجيدة،

بعد التحية والشكر،  تطرقت المتدخلة لمدى كفاءة وفعالية مؤسسات المجتمع المدني في تكريس مبادئ الحكامة الجيدة. حيث اعتبرت أن الحكامة الجيدة تعتبر كنظام لتسيير وإدارة شؤون الدولة والمجتمع بعقلانية ورشادة من اجل تحقيق تنمية شاملة ومستدامة، وتهدف للوقاية من الفساد ومحاربة كل أشكاله. واعتبرت أن تدخلها هذا يأتي لتبيان مدى أجرأة وتفعيل واستقراء الأدوار القانونية للدستور وللمجتمع المدني ونهج الحكامة الجيدة بالمغرب. كما تهم هذا المداخلة إبراز دور وأهمية المجتمع المدني في تحقيق حكامة جيدة بالمغرب.

فحسب المتدخلة ومع بداية عقد التسعينات من القرن الماضي شاع استعمال مصطلح الحكامة بشكل واسع من قبل منظمات دولية بهدف تحقيق تنمية مستدامة، وذلك لقصور القطاع الحكومي على تحقيق ذلك بصورة أفضل. وظهرت المطالبة بإخضاع الحكومات لمزيد من الرقابة والمساءلة و الالتزام وبتحسين الإدارة واتباع سياسات تتسم بقدر اكبر من المسؤولية. إذ أصبحت تمارس ضغوط على الدول لإجبارها على إعادة تحديد دورها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، وهو الأمر الذي أدى إلى إشراك كل من القطاع الخاص والمجتمع المدني كأطراف في الحكامة، والتي تؤدي إلى حسن إدارة شؤون الدولة، وهو ما عزز من وجود مؤسسات المجتمع المدني مع تفعيل اكبر لأدوارها في المجال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، حيث نخلص الى أن هذه المؤسسات تؤدي أدوارها بفعالية وكفاءة في الدول المتقدمة عكس ما هو عليه الأمر في الدول النامية لا سيما منها الدول العربية.

وهكذا أصبحت تنطوي الحكامة على تكامل بين المستويات الثلاث لرسم استراتيجية تستجيب لتطلعات وطموحات المواطنين، وترتكز على الشفافية والمساءلة والتشارك في تحمل المسؤولية والمشاركة من أجل تحقيق المساواة وتعزيز دولة القانون والمؤسسات. كما اقتضت مزيدا من التفاعل بين القطاعات الثلاثة للحكامة لتحديد التوازن الصحيح الذي تحتاجه التنمية المستدامة والتي تتمحور حول الإنسان والتي تتطلب قدرة هذه الأطراف على التفاعل فيما بينها والتكيف لضمان الاستقرار والتنمية طويلة المدى.

فالطاقة البشرية هي الثروة الحقيقية لأي مجتمع.  كما أن القدرات التنموية لأي دولة مرتبطة بما تملك من طاقات بشرية مؤهلة ومدربة وقادرة على التكيف والتعامل مع أي طارئ. ومن ثمة تعد الحكامة أهم الأنظمة التي تحقق التقدم، لهذا كان من الضروري أن تهتم جميع الدول في طريق النمو للحاق بركب التنمية من خلال العمل على بناء القدرات البشرية لديها.

وحسب المتدخلة تنطلق عملية بناء القدرات البشرية من ثلاث محاور رئيسية،  التعليم والصحة، وحقوق الإنسان. اخذين في الاعتبار أن كلا من التعليم والصحة يعتمدان على درجة النمو الاقتصادي، أما حقوق الإنسان فهي تعتمد بالأساس على درجة الوعي السياسي والاجتماعي لدى المواطنين بحقوقهم وواجباتهم.

وفي المجمل تعتمد المحاور السالفة الذكر على مدى توافر إطار مؤسسي شامل يحكم عملية التنمية بمفهومها الشامل لما تتطلبه من ضرورة توافر مناخ صحي داعم لتحقيق تنمية العنصر البشري لأنه أساس التنمية.

لقد برزت الحكامة كأسلوب وكنظام لتحقيق التنمية البشرية المستدامة في أدبيات التحليل المقارن والنظم السياسية واستخدمت في الوثائق الدولية للأمم المتحدة ومؤسسات التمويل الدولية بحيث أضيفت لها صفة الجيد ليتم تداولها وترجمتها إلى الحكامة او الحكم الراشد والحكماتية والحوكمة.

وبالرغم من الانتشار الواسع لهذا المفهوم فهناك اختلاف وتباين في إيجاد تعريف جامع مانع للحكامة. فسرعان ما شاع استخدام هذا المفهوم في التسعينات وسط مجموعة من المفاهيم الأخرى كالعولمة والتحول الديمقراطي والتنمية، ومن هنا ظهرت دعوة الهيئات المانحة كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى إحداث تغييرات جوهرية في هيكلة الدولة السياسية والإدارية وإعادة صياغة اطر الحكم بها، كشرط لتحقيق التنمية.

وانتقل الحديث عن للحكامة من مؤسسات الدولة إلى مؤسسات المجتمع المدني لتشمل كل من الجمعيات والنقابات والتنظيمات المهنية والاتحادات العمالية والأحزاب السياسية. حيث عرف النقاش حول تطور دور المجتمع المدني في إطار الحكامة تطورا مهما على الصعيد الوطني والدولي، فقد أكد البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة على أهمية الديمقراطية التشاركية في تكريس أسس الحكامة الجيدة من خلال مشاركة كل الدول والهيئات التابعة لها ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص.

كما دعت كل من مؤسسة البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي وباقي المؤسسات الدستورية والسياسية إلى إعمال مؤشرات الحكامة الجيدة لتحقيق التنمية المستدامة والحد من ظاهرة الفقر في العالم، على اعتبار أن الحكامة التشاركية هي الحلقة المفقودة في محاربة الفقر.

وعموما فقد عرف المجتمع المدني، حسب المتدخلة، اهتماما واسع النطاق من طرف مختلف المتدخلين على مستوى الخطاب الرسمي والمؤسسات العمومية في السنوات الأخيرة، لما له من أهمية كبرى كجزء لا يتجزأ من الرأسمال اللامادي في شقه الاجتماعي والإنساني، ولمساهمته في تحقيق الحكامة التنموية الجيدة، حيث نص الباب الثاني عشر من دستور 2011 على الحكامة الجيدة ومبادئها ومؤسساتها، مع دسترة ادوار المجتمع المدني وأجراة هيئات الحكامة والتشاور المعنية بالشباب والفاعل المدنية والديمقراطية التشاركية.

وقد أشارت إلى أن ثمة تغيير جوهري ومؤسساتي في تدبير الشأن العمومي المبني على التفاعل بين السلطات المحلية والمجالس المنتخبة والمجتمع المدني باعتباره فاعلا ترابيا وشريكا أساسيا في تدبير الشأن العام وفاعلا اجتماعيا استراتيجيا للحكامة التشاركية حاملا للمطلب الاجتماعي وساهرا على تحقيق التنمية العادلة وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة.

كما أكدت على أنه بدون فاعل اجتماعي مدني حقيقي قادر على المشاركة في تدبير الشأن العام وصناعة القرار ومراقبة تنفيذ السياسات العمومية، لا يمكن الحديث عن الديمقراطية التشاركية الحقيقية ولا عن حكامة جيدة.

واختتمت مداخلتها بالتأكيد على أهمية المجتمع المدني باعتباره وسيطا بين الدولة ومؤسساتها وبرامجها وسياساتها العمومية وبين الأفراد والجماعات المحلية لاحتياجاتهم ومشاكلهم وتطلعاتهم المستقبلية، وكل هذا في إطار تكريس الحكامة ومأسسة الشفافية في أفق تحسين أداء للدولة لأدوارها. فالمجتمع المدني قوة اقتراحية مهمة جدا.

المداخلة الرابعة للأستاذ قديري المكي الخلافة مدير غرفة التحكيم والوساط، حول: دور للمجتمع المدني في حماية حقوق الانسان”.

فبعد التحية والشكر، أكد المتدخل على أهمية المجتمع المدني، وما أصبح يلعبه من دور مهم جدا، وهو دور يعود لثلاثة اعتبارات أساسية:

  • أولا: تطور العلاقات الدولية وظهور المجتمع المدني كفاعل جديد. فالمجتمع الدولي أدرك أن حقوق الإنسان لا يمكن فقط إنتاجها بل وجب تتبع تنزيلها ومدى احترامها وتنفيذها من طرف الدول. الأمر الذي خول للمجتمع المدني صفة المستشار والمراقب بل وحتى الصفة الرسمية في مسعى الدول لنشر ثقافة حقوق الإنسان على مستوى الدولي.
  • الاعتبار الثاني هو قرب جمعيات المجتمع المدني من المواطنين حيث يلجأ المواطنون لهذه الجمعيات لرفع تظلماتهم وشكاياتهم وطلب الدعم والمشورة القانونية بغرض حماية حقوقهم الأساسية، خصوصا قي حالة انتهاك حقوقهم وحرياتهم الأساسية
  • الاعتبار الثالث: يكمن في الأدوار التي أناط بها الدستور المغربي المجتمع المدني، وما اسند له من ادوار في مراقبة وتتبع للسياسات العمومية في إطار مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، واليات الديمقراطية التشاركية.

وقد عرج بعد ذلك للحديث عن التجربة المغربية متسائلا عن كيف تطور المجتمع المدني في المغرب إلى أن أصبح الدستور يقر له بأدوار سياسية وحقوقية، وعن طبيعة العلاقة التي كانت تجمعه بالدولة وبالأحزاب السياسية قبل مرحلة دسترة المجتمع المدني، وعن آليات عمل الجمعيات لحماية حقوق الإنسان بالمغرب.

وتفاعلا مع هذه الأسئلة قسم موضوعه لمطلبين:

المطلب الأول: تطور تجربة المجتمع المدني بالمغرب

فحسب المتدخل عاش المجتمع المدني كل ما عاشته الدولة من تطورات وتقلبات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها. وقد ميز بين ست مراحل أساسية:

  • قبل فرض نظام الحماية: العمل الخيري والإحسان العمومي والعمل التطوعي استنادا إلى الأساس الديني.
  • بعد فرض نظام الحماية: ظهور جمعيات عملت في ميادين مختلفة خصوصا بعد صدور ظهير حرية تأسيس الجمعيات كجمعية الرابطة المغربية أو ما يعرف بأنصار الحقيقة، والجمعية الخيرية الإسلامية، ثم عصبة حقوق الإنسان.
  • مرحلة فترة الاستقلال: مع صدور ظهير الحريات العامة سنة 1958 وصدور دستور 1962 اللذان اعترفا بحق المواطنين في تأسيس الجمعيات والانضمام إليها ما أدى الى إنشاء العديد من الجمعيات المدنية باهتمامات متنوعة كما أدى التنافس بين الأحزاب السياسية الوطنية القائمة آنذاك وخاصة حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال إلى تكوين عدة جمعيات موازية لها كالشبيبة الاستقلالية وفتيان الانبعاث والكشفية الحسنية ومنظمة الكشاف المغربي وغيرها.
  • مرحلة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث ستعرف تأسيس مجموعة من المنظمات الحقوقية كالعصبة المغربية لحقوق الإنسان، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان ثم المنظمة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، مع ظهور جمعيات نسائية للدفاع عن حقوق المرأة والمطالبة بالمساواة. وقد شكلت هذه التنظيمات قوة ضغط وكان لها تأثير في الحياة السياسية
  • المرحلة الخامسة: خلال تسعينيات القرن الماضي، حيث وقع تحول مهم على مستوى إشراك المجتمع المدني في تدبير الشأن العام وخاصة منها الحقوقي وذلك في ظل الحركة الدستورية التي عرفها المغرب سنوات 92 و96 وما رافق ذلك من خطوات إيجابية نحو تكريس بناء دولة الحق والمؤسسات وهو ما تحقق نسبيا مع تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سنة 1990 ثم مؤسسة ديوان المظالم سنة 2001 . مع إسهام الجمعيات في إصدار تقرير أصبحت تأخذ بعين الاعتبار في تتبع وتقييم السياسات العمومية كتقرير الخمسينية في تقييم السياسات العمومية ثم توصية إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة.
  • مرحلة دستور 2011: حيث شهدت هذه المرحلة تنامي الجمعيات في المغرب كما شهدت تكريس الديمقراطية التشاركية. حيث جاء الدستور بثلاث آليات ت تؤطر لعمل المجتمع المدني:
  • آلية العرائض والملتمسات.
  • الآلية المؤسساتية عبر مؤسسات الحكامة.
  • الآلية التشاورية:من خلال القوانين14 و112.14 و113. 14 حيث هنالك حوالي 1600 آلية تشاورية .

المداخلة الأخيرة لدكتور  يونس قبيبشي  استاذ القانون العام كلية  الحقوق-  مارتيل- تطوان- جامعة عبد المالك السعدي، حول: تدخل المجتمع المدني في تعزيز حقوق الإنسان على المستويين الوطني والدولي

بعد التحية والشكر، تناول الأستاذ  الكلمة معتبرا أن الحديث عن منظمات المجتمع المدني يستلزم جرد العلاقة بين المجتمع المدني والهياكل الرسمية ، كما يجب الفصل بين المجتمع المدني والقطاع الخاص، كما يجب إيجاد العلاقة بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي وهل يمكن اعتبار الحزب احد أطراف المجتمع المدني؟

فعندما نتحدث عن منظمات وجمعيات حقوق الإنسان على المستوى الوطني نجد العصبة الوطنية للدفاع عن حقوق الغنسان، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، الوسيط من اجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، جمعية عدالة، مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، وجمعيات أخرى.

وعلى المستوى الدولي نجد مثلا منظمة العفو الدولية، ومنظمة الشفافية العالمية، منظمة الصحافيين بلا حدود،  منظمة أطباء بلا حدود،  اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

ليتساءل بعد هذا التمهيد عن ما هي ادوار الجمعيات المدنية على المستوى الدولي.

حيث تطرق لمنظمة العفو الدولية والتي تصدر تقارير دولية بشأن حالات حقوق الإنسان ومختلف الانتهاكات التي تعرفها مجموعة من مناطق التوتر، وأشار إلى أنه سبق وقدمت هذه المنظمة  تقارير حو انتهاكات الحلف الأطلسي في كوسوفو والمتعلقة بانتهاكات حقوق المسلمين، كما قدمت تقارير حول جرائم الإبادة الجماعية في ويندال، وتقارير حول قتل آلاف المدنيين الأكراد على يد القوات التركية، وجرائم القوات الروسية في الشيشان،.

وقد قام بعد ذلك بتعداد  ادوار الجمعيات المدنية المتمثلة في كل من:

  • التنديد بالجرائم.
  • كشف الحقائق من خلال إجراء الحملات التفقدية خاصة على مستوى السجون ومراكز الاعتقال ومناطق النزاعات المسلحة ومناطق الحروب.
  • استخدم أسلوب الضغط على الحكومات في مجال حقوق الإنسان، ودعوتها إياها إلى تقوية منظومة حقوق الإنسان على المستوى الوطني.
  • رصد الاعتداءات والمعاملات القاسية وتدعو الدول إلى احترام التزاماتها الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان،.
  • تدفع الحكومات إلى استكمال تنزيل البروتوكولات المصاحبة للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
  • تدفع الحكومات للانضمام للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.

وقد انتقل بعد ذلك للحديث عن اليات اشتغال هذه الجمعيات على المستوى الوطني:

  • إصدار وتنظيم برامج وطنية وتدريبية.
  • وحملات تحسيسية وعقد اجتماعات ولقاءات ومعارض.
  • إنجاز بحوث ميدانية وإصدار تقارير ومجلات ووثائق إعلامية.

وسينتقل المتدخل بعد ذلك للتساؤل حول إلى أي حد يمكن اعتبار الإعلام أو الوسيط الإعلامي هو أحد فعاليات المجتمع المدني في مجال رصد الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان ؟

حيث، وردا على هذا التساؤل، أكد على أن الإعلام لا يندرج ضمن المجتمع المدني، فحتى وإن كان يرصد الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق الإنسان عبر مجموعة من نقاط النزاع عبر العالم بغرض تسويق المعلومة وتحقيق الربح، فالمجتمع المدني يهدف لتحقيق منفعة عامة وليس منفعة ربحية كما هو الشأن بالنسبة للإعلام.

كما يتم تمييز المجتمع المدني عن الحزب، بالرغم من أن هذا الأخير يقوم بالدفاع عن مصالح فئات معينة.

كما أوضح ماهية منظمة العفو الدولية باعتبارها حركة عالمية تقوم بحملات من أجل حماية حقوق الإنسان، وتدخل نشاطاتها في إطار رصد الانتهاكات.

أما منظمة أطباء بلا حدود فهي منظمة طبية وإنسانية ذات بعد دولي، مهمتها تقديم مساعدات طبية طارئة، خاصة في مناطق النزاع والحروب، كما تقدم الإدلاءات التي يدلي بها الأشخاص الممارسة عليهم الانتهاكات.

اللجنة الدولية للصليب الأحمر تنظم زيارات للأماكن التي يتواجد بها الأسرى كالمخيمات والسجون والمستشفيات.

فمنظمات المجتمع المدني إذن تعتبر هيئات وحركات ومؤسسات ذات بعد وطني أو دولي، يقوم بالنضال من أجل حماية منظومة حقوق الإنسان، كالمنظمات غير الحكومية، والمنظمات العمالية، منظمات خيرية، منظمات دينية، نقابات عمالية، مؤسسات العمل الخيري. والميزة المشتركة بينها هو استقلالها عن الحكومة وعن القطاع الخاص، وكذلك الاستقلال المالي والمادي.

غير أن السؤال الذي يطرح هو هل التقارير الصادرة عن هذه المؤسسات هي تقارير تمتاز بالحياد والشفافية؟

حيث أشار المتدخل إلى استمالة الجهات المانحة لمنظمات المجتمع المدني، مما يطرح مشكل الاستقلالية والحياد.

كما طرح مشكل التمويل

الخلط بين الأدوار الإنسانية والحقوقية والأدوار السياسية.

اشتغال فعاليات المجتمع المدني إلى جانب المؤسسات الرسمية، أي أنها مؤسسات مصاحبة. سواء على المستوى الوطني والدولي.

وقد ختم تدخله بالتأكيد على أهمية المجتمع المدني ودوره في تكريس الحقوق الإنسانية والديمقراطية.أن ،أ

وقد اجمع المتدخلون بأن هناك تطورات في هذا المجال انخرط فيها المغرب باعتبار ان نظام الامم المتحدة نظام متكامل وليس زجريا، ويعد اشراك المجتمع المدني كآلية اساسية في اتخاذ العديد من القرارات في هذا المجال وابراز دوره في مجال حقوق الانسان . فرغم تحقيق عدة مكتسبات الا ان هناك العديد من التحديات تواجه المغرب