تقرير حول الندوة الوطنية: “عشرينية العدالة الانتقالية بالمغرب: مسارات وتحولات”
تقرير حول الندوة الوطنية: “عشرينية العدالة الانتقالية بالمغرب: مسارات وتحولات”
للاطلاع على فيديوهات الأساتذة المتدخلون (انقر هنا)
شهدت رحاب كلية الحقوق بالجديدة يوم 30 يونيو 2025، تنظيم ندوة علمية معنونة ب “عشرينية العدالة الانتقالية بالمغرب: مسارات وتحولات“، من تنظيم مختبر الأبحاث في القانون العام والدراسات القانونية والسياسية بكلية الحقوق بالجديدة، والأكاديمية المغربية للدراسات السياسية والدستورية، والمركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية، ومجلة المغرب الكبير للدراسات الجيوسياسية والدستورية، وبشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان وعدة مختبرات الأبحاث والدراسات بكليات الحقوق في كل من قلعة السراغنة ومراكش والمحمدية والجديدة والرباط بقطبيها أكدال والسويسي.
انطلقت الجلسة الافتتاحية حوالي الساعة 10:30 بكلمة ترحيبية من لدن رئيس الجلسة: محمد الزهراوي، مدير مختبر الأبحاث في القانون العام والدراسات القانونية والسياسية بكلية الحقوق – الجديدة، لكل لأطراف المشاركة في الندوة كل واحد باسمه وصفته والطلبة، ومذكرا بالسياق العام الذي جاء فيه تنظيم هذه الندوة، تلته كلمات ممثلي المراكز الدراسية ومختبرات الدراسات والأبحاث، ركزوا من خلالها على السياقات العامة التي تحكمت في تنظيم هذه الندوة، إذ اعتبروا هذه الندوة فرصة لمناقشة موضوع حيوي لايزال في حاجة إلى البحث والدراسة والتشريح بحكم قضاياه المتعددة التي تخص مختلف الفاعلين والاكاديميين عبر مقارباتهم، باعتبار هذا الموضوع يشكل محطة مفصلية في التاريخ المغربي.
بعد ذلك انتقل الحضور للتفاعل مع الجلسة الأولى من خلال مداخلات السادة الأساتذة والتي تم تسيرها من لدن رئيس الجلسة: ذ أحمد بوجداد، أستاذ التعليم العالي-كلية الحقوق- أكدال- الرباط
المداخلة الأولى: افتتحها الأستاذ محمد غالي، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – قلعة السراغنة. من خلال تناوله موضوع” تجربة العدالة الانتقالية ورهان الانتقال الناعم: قراءة في الفرص والتحديات”، يجب على العدالة الانتقالية أن تحقق تناغم وتزاوج بين الماضي والحاضر والمستقبل. الاعتراف بالماضي، المستقبل تعبئة الإمكانات والجهود وكل عناصر النسق في تلك اللحظة، واستشراف المستقبل. إذا استطعنا أن نحقق هذا التناغم كذلك ما بين هذه العناصر التي هي الاعتراف والتعبئة والاستشراف، سنكون في الاتجاه الذي يخدم المسألة. ثم أن العدالة الانتقالية تتحقق من خلال المساءلة، العدالة، الجبر والضمانات الأساسية. إذن إلى أي حد استطاعت الترسانة القانونية والسياسية أن تضع الضمانات الأساسية؟
نلاحظ منذ تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة في يناير 2004 والسنة في مدة مهامها إلى دستور 2011، نلاحظ بأنه كان العمل على التوليف بين الديمقراطية والتنمية. حينما نقول الديمقراطية بالمفهوم الشامل، سياسي، اقتصادي، اجتماعي والتنمية، النهوض بأوضاع المواطنين والمواطنات.
نقطة الانعطاف الأساسية دستور 2011 حاول أن يأخذ بجل التوصيات التي جاءت بها هيئة الإنصاف والمصالحة فيما يتعلق بممارسة السلطة وانتقالها، والعلاقة بين المؤسسات وخاصة ما تعلق بمبدأ الفصل، المبدأين الأساسيين، مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها.
حينما نقول الفصل بين السلطات، بمعنى الاستقلالية بين السلطات. حينما نقول التوازن، بمعنى أن لكل سلطة القدرة على أن تكون فاعلة في النظام ككل. هذا هو التوازن، لأن التوازن، أنها بقدر الإمكانات التي يتوفر عليها البرلمان، تتوفر عليها الحكومة، تتوفر عليها مؤسسات أخرى.
ثم مسألة أساسية وهي التوازن ليس فقط في وسط الأغلبية، التوازن ما بين الأغلبية والمعارضة. و نلاحظ بأن دستور 2011 يؤكد على حقوق المعارضة في الفصل 10. وكذلك القوانين التنظيمية للجماعات الترابية فيما يتعلق بتمثيلية وتنظيم المعارضة داخل الهياكل والمجالس وإعطائها الآليات، ليس فقط غير الاعتراف، هنا يجب أن ننتبه.
هيئة الإنصاف والمصالحة لما نتحدث على الضمانات، إذن نتحدث على التمكين، لأن النسق الحقوقي فيه ثلاثة أجيال. هناك جيل يصف الحقوق، جيل وضع الضمانات، وجيل التمكين. بمعنى ممكن أن نضع الضمانات وهي كثيرة، ولكن إلى أي حد هذه الضمانات الموضوعة قادرة على ضمان فعالية، على ضمان فعالية الحقوق.
نتوقف الآن ما بين المعايير في مجال حقوق الإنسان في مجال العدالة التي تربط ما بين التنمية والديمقراطية، مثلا يمكن نأخذ مؤشر مجتمع المعرفة، اقتصاد المعرفة. ومن خلال هذا مجتمع المعرفة، اقتصاد المعرفة وبقياس يمكن أن نقيس إلى أي حد فعلاً أن الدولة تسير في الاتجاه الذي يكرس السيادة على مستوى السلاسل الإنتاجية. لأن عندما نقول اقتصاد المعرفة، بمعنى أنني سأمكن المواطنين والمواطنات من حقهم الكامل في الولوج إلى أسباب الثروة. وهذه من الأمور التي الآن مجموعة من المنظمات تحاول أنها تعتمد عليها.
بالنسبة لهذا الدستور 2011، حاول أن يعطينا هذا الانتقال الناعم، بمعنى أننا لن ندخل في ردود أو في ردود اجتماعية التي يمكن تكون فيها احتجاجات واحتجاجات على أي، هناك احتجاجات ذات طابع وظيفي، بمعنى أن الناس تخرج، ولكن هناك احتجاجات لديها بعد بنيوي. عندما يصل الاحتجاج أنه يمثل بنيوي، بمعنى أن النسق السلطوي لا يصبح عادياً، بمعنى أنه يدخل في موجة أخرى.
وبالتالي فالانتقال الناعم هو الذي يساعد على تحقيق الأمن القانوني. نأخذ مثلا بالنسبة للنساء لأن هذه من التوصيات المهمة والأساسية لهيئة الإنصاف والمصالحة، حقوق النساء. أكيد في مجال حقوق النساء بذلت مجهودات كبيرة على مستوى قانون العنف ضد النساء، الآن هناك نقاش حول مدونة الأسرة، على مستوى قانون الشغل، والمنافسة، مجموعة من القوانين، وعلى مستوى القوانين المتعلقة بالمناصب السامية أو المناصب العليا، على مستوى السياسي بالنسبة للكوطة أو التعامل التفضيلي أو الإيجابي تجاه المرأة.
في حكومة التناوب التوافقي 1998 – 2002 لم تطرح التعديل الدستوري. لم تطرح قط أفكار التعديل الدستوري، حتى من بعد الانتخابات 27 أكتوبر 2002. بمعنى كان يطرح السؤال آنذاك على المرحوم عبد الرحمان اليوسفي يقولون له هل هذا النهج الذي نهجتوه للإصلاح من خلال سياسات مؤسساتية ضابطة أو ناظمة لأن في السياسات، هناك ثلاثة مستويات، هناك سياسات مؤسساتية تأسيسية تتعلق بصلب الدستور، وضع الدستور لأول مرة، هناك سياسات مؤسساتية إصلاحية تتعلق بإصلاح الدستور. هناك سياسات مؤسساتية ضابطة أو ناظمة، وبالتالي يقال بأن هناك إشكالات ورهانات بنيوية فكيف يمكن أن نتحكم فيها بإصلاحات ضابطة؟ مثلا ذهبنا لإصلاح ظهائر الحريات العامة، القانون المتعلق بحق تأسيس الجمعيات، القانون المتعلق بحق التجمهر وقانون الصحافة. إذن هذه التي تدخل في إطار ظهائر، كيف لقوانين عادية أن تحقق ما لم يمكن أن يحققه الدستور؟
نقوم بتحليل مضمون الخطاب الملكي بمناسبة الدورة التشريعية 14 أكتوبر 2011. هذا الخطاب يشرح، ويزيد ويحلل لنا بعض البياضات التي كانت على مستوى التفسير لمجموعة فصول دستور 2011، منها المسألة التشريعية.
هل الملك ستبقى لديه صلاحيات تشريعية؟ بمعنى أن الملك سيبدأ يصدر ظهائر هذا الباب. إذا لاحظتم كان آخر ظهير هو الظهير المتعلق بتنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان. لم يصدر شيء آخر. هنا في هذا الخطاب قال: وذلكم هو النهج القويم لإعادة الاعتبار للعمل السياسي النبيل والارتقاء بأداء المؤسسات إلى مستوى مكانتها الدستورية المتقدمة، وذلك في تجسيد لممارسة سياسية جديدة قوامها النجاعة والتناسق والاستقرار المؤسسي، ونهوض كل سلطة بمسؤوليتها كاملة في إطار فصل السلط وتوازنها وتعاونها. ويضيف وعلى ضوء نتائج الانتخابات النيابية القادمة، فإن رفع هذه التحديات… لأن هذا كان في 14 أكتوبر 2011، وجاءت الانتخابات 25 نوفمبر 2011، إذن فإن رفع هذه التحديات في العهد الدستوري الجديد مسؤولية الحكومة والبرلمان بالأساس، بما لهما من صلاحيات تشريعية وتنفيذية كاملة.
إذن يبقى إلى أي حد بطبيعة الحال المؤسسات هي قادرة على القيام بمسؤوليتها وبواجباتها؟
في النقاش سنوضح بعض الأمور التي عندها علاقة بالمستويات الأفقية في ممارسة السلطة وليست فقط بالمستويات العمودية، وإذا استعرنا تقسيم “جون رولز” وهو من أحد عمداء الفلسفة السياسية الأمريكية المعاصرة حينما تحدث عن التوزيع التقاطعي.
المداخلة الثانية: تناول فيها الأستاذ عبد الحميد بنخطات، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس أكدال و مدير مختبر القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال ورئيس الجمعية المغربية للعلوم السياسية، موضوع “الديمقراطية كأفق مؤسساتي للعدالة الانتقالية” من خلال طرح سؤال محوري حول ما هو تأثير العدالة الانتقالية على المسار الديمقراطي (المشهد السياسي) ؟، حيث أكد أن العدالة الانتقالية يجب أن تكون مخصصة وحاسمة حول القضايا المرتبطة بها، من خلال ضمان عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، عبر طرحه لسؤال: هل فعلا نحن محصنون من عدم تكرار تلك الانتهاكات؟ واعتبر أن فلسفة العدالة الانتقالية تقتضي الانتقال إلى عدالة قضائية تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المغرب في تدبير ملفات الانتهاكات للتخلص من الإرث الثقيل بشكل سلس.
واختتم مداخلته بأن العدالة الانتقالية إذا لم تكن مدخلا للديمقراطية، فهي شكلت خروجا من السلطوية، واستحضر هنا مجموعة من التجارب الدولية، إذ اعتبر أن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة لم ينجز منها حتى النصف، من خلال عدم المصادقة على مجموعة من القوانين وكذا تعزيز حقوق الإنسان خاصة على مستوى الحيز الجغرافي والفئات والنساء.
المداخلة الثالثة: ذ عبد الرحيم منار السليمي، رئيس الأكاديمية المغربية للدراسات السياسية الدستورية، الذي عنون مداخلته ” هل دستور 2011 وثيقة دسترة لمصالحة مرحلة الانتقال الديمقراطي بالمغرب؟”وثيقة سنة 2011 الذي أقره هو الربيع العربي وليس العدالة الإنتقالية ومسلسل المصالحة ، انطلق بتوضيح المفاهيم وثيقة دستور 2011 عقد سياسي بين الحاكم والمحكوم في المغرب. قضية العدالة الانتقالية وهناك الكثير من الخلط الذي يحدث للباحثين، العدالة الانتقالية هي إطار مؤسساتي فيه العديد من العناصر والمكونات كشف الحقيقة، جبر الضرر، الإصلاح المؤسساتي حفظ الذاكرة، الهدف من هذا الإصلاح هو دولة القانون هو بناء الثقة في المؤسسات. بينما مسلسل المصالحة هو المسار والجهد الاجتماعي والسياسي الذي يهدف إلى ترميم العلاقات الاجتماعية، ولما ندخل مفهوم دسترة المصالحة يعني إدراج مبادئ وآليات المصالحة ضمن الوثيقة الدستورية، الإعتراف الدستوري بحقوق الضحايا. التنصيص على مبادئ العدالة الانتقالية وإلزام المؤسسات بإحترام وتنفيذ تلك المبادئ بمعنى تحويل المصالحة إلى مرجعية وطنية.
من داخل هذه المفاهيم سأتقدم بثلاثة منطلقات وأربع ملاحظات:
المنطلق الأول: أن الدروس المستخلصة من التجارب الدولية في دسترة العدالة الإنتقالية تبين أن الأمر تكون فيه الكثير من المداخل. التنصيص على تعويض الضحايا من داخل الدستور. تضمين هيئة وطنية لحماية الحقوق والحريات تتمتع بصلاحية التحقيق ويظل العمل جاري بها. ثم إنشاء مؤسسات تمارس الحماية الدستورية، إعادة هيكلة الدولة أحيانا في بعض الدول انتقل شكل الدولة من شكل إلى شكل معين، ثم الفصل الحازم بين السلط.
المنطلق الثاني: العدالة الإنتقالية ومسلسل المصالحة وبناء الدستور إذا لم ينبثق عن نفس المؤسسات السياسية فإنهما يسلكان طرقا متباينة وتنتج عنهما ديناميات مختلفة.
المنطلق الثالث: من الممكن أن تكون عدالة انتقالية في غياب عملية وضع الدستور. بعض التجارب انطلقت بعدالة انتقالية ومسلسلات المصالحة ولم يوضع الدستور.
من داخل هذه المنطلقات، الملاحظة الأولى: أنه في المغرب لا نعرف بالضبط المحدد الحاسم في وضع الدستور، دستور 2011 وهندسته. هل هي العدالة الإنتقالية ومسلسل المصالحة أم الربيع العربي؟ لماذا؟ لأنه المسلسل إنطلق كانت التوصيات 2005 ولم يتم الدستور إلى حدود 2011، 6 سنوات كان الاشتغال في المغرب بالعدالة الانتقالية ومسلسل المصالحة بدون دسترة.
الملاحظة الثانية: الهندسة الدستورية في وثيقة 2011 تغيرت بالمقارنة مع دستور 1962 والمراجعات التي كانت بعده.
للإشارة لدينا دستورين وليس مجموعة من الدساتير، دستور 1962 و2011، الباقي هو عبارة عن مراجعات لأنه لم تتغير الثوابت. دستور 1970و1972و1992و1995و1996 ثم دستور 2011 الجديد. لماذا دستور 2011 جديد لأنه أضيف له ثابت هو الخيار الديمقراطي.
هل مضمون دستور2011 مضمون الديباجة التي توجد بها فكرة الأمة وشكل النظام الدستوري. النظام الدستوري في المغرب هو بين الحكومة والبرلمان يشتغل بقواعد النظام البرلماني ولكن بمراقبة قواعد النظام الرئاسي، مراقبة الملك نظام مختلط، والتنصيص على الحقوق والحريات والتغييرات على مستوى السلطة القضائية وطرق الطعن أمام المحكمة الدستورية، الدفع بعدم الدستورية وشكل الدولة التنصيص على مسألة الجهوية المتقدمة، وهيئات الحكامة. هل يمكن نقول أنها هي هندسة لها علاقة بالعدالة الانتقالية؟ هل هي تعبيرات دستورية فيها جبر الضرر فيها تعويض الضحايا فيها ضمانات عدم التكرار، فيها الجبر الرسمي لأنه أحيانا التعبيرات الدستورية تكون مختلفة عن المفاهيم التي نعرف.
إن هندسة السلطات، هل هذه الهندسة فيها ضمانات لعدم التكرار؟ وهل شكل الدولة فيه جبر للضرر؟
مثلا لما نقول جبر الضرر هنا، هل فكرة قواعد القانون الدستوري الترابي في الدستور المغربي، فيها
قواعد متعلقة بدستور فصل السلطات، وقواعد متعلقة بصك الحقوق، وهناك قواعد متعلقة بالدستور الترابي . هل فكرة الدستور الترابي أو ما يسمى بالدولة الترابية، فيها نوع من جبر الضرر، لماذا؟ لأنه يوجد هنا اتجاه نحو مناطق هامشية، لم نعد في إطار المركزية. هذا الفهم ينطلق من حجة أن بناء الدستور في المراحل الانتقالية يكون أكثر تعقيد. ففهم عملية بناء الدستور يتطلب التمييز بين النص المكتوب والممارسات المنبثقة عنه.
الملاحظة الثالثة: أن اختبار العلاقة بين العدالة الانتقالية ووضع دستور 2011 لا ينظر إليه من خلال معادلة أنه نص حرفي يطبق أو لا يطبق، أو من خلال العلاقة بين الفاعلين، مثلا بين الملك والحكومة، الملك والبرلمان، الحكومة والبرلمان إلى غير ذلك، وإنما ينظر إليه في الدستور المغربي من خلال طريقة بناء المؤسسات الدستورية. كيف بنيت المؤسسات الدستورية المرتبطة بالعدالة الانتقالية؟ الدعامات الدستورية الموجودة، وهل استطاعت هذه المؤسسات داخل دستور 2011 أن تخلق لنا آليات تمكن مثلا من ضمانات متعلقة على مستوى مسلسل المصالحة، أو التأطير الدستوري بما جاء في توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة؟ فالمؤسسة الحكومية مثلا اليوم لا تستطيع، هذه ملاحظة، أن المؤسسة الحكومية لا تستطيع وضع سياسات عمومية في مجال ضمان عدم تكرار ما حصل، وفي مجال معالجة جبر الضرر بكل دلالاته، خاصة الدلالات الترابية، الاتجاه إلى المناطق الهامشية. السبب في ذلك، أنه عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، في عملها لم يتم إشراك البرلمان والحكومة. في نظري هذا إشكال. الآن لأنه يبدو بأنه حتى الحكومات التي أتت عندها صعوبة في فهم هذه المعادلات المرتبطة بالعدالة الانتقالية.
كما أن الدعامات الدستورية المستقلة عن الحكومة، أقصد هيئات الحكامة والهيئات الحقوقية لديها صعوبة في نقل الحقوق والحريات إلى الممارسة، مثلا الحق في الحياة، الحق في الماء إلى غير ذلك، والحقوق ذات الطبيعة الاقتصادية بالخصوص. لماذا؟ لأن هذه الهيئات التي تبعتها دستوريا وكانت عليها مجموعة من الكتابات، أنها لم تعرف نفسها هل هي هيئات استشارية أم أصبحت هيئات تمثيلية. هذا إشكال في هيئات الحكامة، مع العلم أن الطريقة التي تمت بها صياغة الدستور في هذا الجانب مختلفة عن الصياغات الأخرى. الدستور المغربي في صياغته ليس مكتوبا بطريقة واحدة، بمعنى فرق كل واحد صاغ بطريقة معينة، ويمكن الرجوع إلى هيئات الحكامة.
الملاحظة الرابعة: الربيع العربي أم العدالة الانتقالية هو الذي أثر في الدستور؟ هنا مثلا النقاش الذي كان بين البرلمان والحكومة، النقاشات التي جاءت في لحظة وضع القوانين التنظيمية، لأن لحظة وضع القوانين التنظيمية هي لحظة سيكولوجية، فيها جانب سيكولوجي نفسي، ينتبه إليه المجتمع في هذه اللحظة، أين كان النقاش؟ كان كله حول، ذاكرة الفاعلين حول الربيع العربي، ونُسيت قضية العدالة الانتقالية. يمكن أن نعود الى خطابات التي كانت في تمثل الحكومات بما فيها حكومة عبد الاله بنكيران وحكومة العثماني والحكومة التالية التي ذهبت في اتجاه آخر. بمعنى أن المصالحة والعدالة الانتقالية والانتقال الديمقراطي، بمعنى كنا في مرحلة انتقال ديمقراطي، هذه المسائل كلها لم يتمثلها المجتمع. لازالت هناك لحظة واحدة تتعلق بقانون تنظيمي له طبيعة استراتيجية وهو القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم الدستورية. هذا سيمكن، لماذا؟ لأنه سيجعل الأفراد يمتلكون الدستور ويمتلكون الحقوق، وستكون لهم القدرة على الطعن والتوجه مثلا لإيقاف نص معين، هذا سيفتح مجال. لهذا غير مفهوم إلى حد الآن لماذا هذا التأخير، فيه مشكل كبير هذا النص، هو نص أساسي على مستوى الضمانات.
المداخلة الرابعة: ذ عبد العزيز قراقي، أستاذ العلوم السياسية- كلية الحقوق-السويسي- الرباط، الذي عنون مداخلته ب “العدالة الانتقالية بالمغرب من مأسسة المصالحة إلى تذبير التحولات.” انطلق في مداخلته: الأساسي من التجربة المغربية هيئة الإنصاف والمصالحة، وبالتالي إذا توقفنا عند هيئة الإنصاف والمصالحة سنكون ننظر على أساس أن هذه الهيئة وكأنها نزلت من الفضاء، إنما مسار الإنصاف والمصالحة هذا بدأ سنة 1990 عند اللحظة التي تم فيها تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. وأظن بأن المقاربة أو استحضار البعد الدولي كان حاضراً أكثر من أي شيء آخر. 1990، على المستوى الدولي هو انهيار جدار برلين، وبناء منظومة عالمية جديدة تقوم على معطيات أخرى.
ومن ثم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان هو الذي سيشكل المنطلق الأساسي واللبنة الأساسية لمسار المأسسة. وتبدأ بطبيعة الحال مع هيئة التحكيم المستقلة التي بالرغم من المجهودات التي قامت بها لكنها بقيت محصورة في مجالات ضيقة جدا ولم تستطع أن تتعامل مع الأمر بمنطلق شمولي. ثم أيضاً توصيات المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان هو الذي سيأسس هيئة الإنصاف والمصالحة، معناه أن هذه المؤسسة التي كانت لها صلاحيات استشارية في البداية هي التي ستؤدي إلى هذا التحول المؤسساتي لمسار الإنصاف والمصالحة.
وأظن بأنه يعني هذا بين قوسين، مسار الإنصاف والمصالحة في المغرب أو مسار العدالة الانتقالية في المغرب لن يكون مثل الأنظمة التي شهدت قطائع. هناك استمرارية مؤسساتية في المغرب في إطار نفس النظام وبالتالي المسار لا يمكن أن يكون شبيهاً بالدول التي عرفت قطائع، معناه أنه فيها ثورة، يمكن أن نتحدث عن المسألة في أيام معدودات أو طي الملف ونقول انتهى الأمر. المغرب فيه استمرارية مؤسساتية وهذا هو الذي جعل هذا المسار إلى اليوم بقي مستمراً وأكيد أنه سيستمر في المستقبل أكثر. مسار الإنصاف في المغرب، لم يؤكد على أساس أنه كان يحضر فيه جانب مؤسساتي واقتصادي وتدبيره بمقاربة فريدة هي التي قادتها هيئة الإنصاف والمصالحة وهي طول المدة، 43 سنة، معناه أنه كان هناك عهد كامل على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، كان لا بد من القيام بالوقوف عنده. وعندما نتحدث عن 43 سنة ويعني عدد من الأجيال، ليس مسألة مرتبطة بسنة أو ثلاث أو أربع، وبالتالي أظن بأن هذه المحطة الأساسية في المأسسة هي هيئة الإنصاف والمصالحة. ولكن لابد من الإشارة إلى معطى أساسي وهو المتمثل أيضاً في الإرادة السياسية التي حكمت كل هذا.
وأظن بأن سنة 2004 ستبقى سنة حاسمة على مستويات متعددة، وهي السنة التي سيبدو فيها على أساس أن المجتمع كله والدولة بكافة مؤسساتها وكأنها كانت تسير بنفس الإيقاع. وبالعودة مثلاً إلى خطاب العرش لسنة 2004، وهومن الخطابات النادرة الذي حدثت فيها عن محاور أساسية ستحكم مأسسة جديدة للدولة وفلسفة جديدة للحكم والتي اعتمدت مرتكزات أساسية سبعة، إذا أردنا اليوم أن نرى مسار الدولة ومسار التحولات والمسار الذي تنصب عليه مؤسسات تجدها كلها حاضرة. واسمحوا لي أن أسردها بعجالة أمامكم: إيجاد حل نهائي لقضية الصحراء، تحصين الانتقال الديمقراطي، ترسيخ مبادئ المواطنة الملتزمة، وضع عقد اجتماعي جديد، النهوض بالتنمية القروية والقطاع الفلاحي، وبناء اقتصاد عصري، وتعزيز مكانة المغرب كقطب جهوي فعال وفاعل على المستوى الدولي. معناه أنه وكأننا كنا في دينامية مؤسساتية تشمل هذه المؤسسة التي تشتغل والتي ستصدر تقريراً سيحكم على مسار مستقبل التحولات الكبرى في المغرب وأيضاً هناك فلسفة الدولة، يعني بطبيعة الحال توفرت بها الإرادة واعتقدت وعلمت بان الماضي ب لا يمكن أن يبقى مستمراً وأنه لا بد من أن تكون هناك قطيعة في إطار الاستمرارية حتى وإن كان هذا الأمر نادراً ما يحدث.
بعد ذلك كان من الضروري تدبير مجموعة من التحولات التي نتجت عن هذا المسار المؤسساتي. وأظن بأن أهم هذه التحولات كان على المستوى المؤسساتي، ولولا لم يكن مسار المصالحة قد تم بالشكل المغربي الأصيل، ويمكن أن نقول لما استطعنا أن ندبر مرحلة 2011، خاصة عندما كان هناك على المستوى الدولي حراك اجتماعي. ويعني لوقفنا وربما كانت نتائج أخرى كان يمكن أن تحدث. فمسار الإنصاف هو الذي جعلنا ندبر هذه المرحلة بنقاش وبروية وبشكل مؤسساتي أفرز في نهاية المطاف دستور 2011.
ولكن يبدو أن التدبير المؤسساتي نجحنا في محطات ولم يحالفنا الحظ وربما لاحظتم أو نحن في حاجة إلى رؤية أخرى. نجحنا فيما يتعلق بالتدبير المؤسساتي، على الأقل جعلنا من حقوق الإنسان فلسفة أساسية للحكم وتم تخصيص لها باب كامل على مستوى الدستور، وهذه لأول مرة.
ثم أيضاً في إطار حقوق الإنسان هذا، تم تسريع وثيقة، والمصادقة على عدد من الاتفاقيات الدولية، وعندما نتحدث عن اتفاقيات دولية لا يجب أن لا يعتقد الناس بأن مصادقة على اتفاقية واذهبوا للنوم، عندما تصادق على اتفاقية فهناك مسار طويل ومعقد يُفتح ويطرح تحديات كبيرة على الدولة وعلى المجتمع، وهذا أساسي. ثم لا بد من الإشارة إلى أنه إذا كانت مسألة الاختفاء القسري في المغرب ويعني التعذيب كانت تشكل دائماً جوهر أو مشكل حقيقي فالمصادقة على الاتفاقيات، الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري في سنة 2013 جعلت المسألة مسألة مسؤولية الدولة بالأساس.
فالتدبير على المستوى المؤسساتي يمكن أن نقول بأنه نجح فيه المغرب أو الأساس فتدبيره على المستوى المؤسساتي إنطلق بشكل أساسي، ثم أيضا على مستوى المؤسسات أيضا إستطعنا أن نجعل من القضاء في المغرب سلطة مستقلة هذا الامر لم يكن معروفا في الماضي ، كنا دائما نتخبط في إطار في المنزلة بين المنزلتين ولكن مع هذا التدبير الجديد استطعنا على الأقل أن يصبح القضاء عندنا حتى وإن كنا في البداية ، ولكن أصبح القضاء سلطة مستقلة على مستوى البناء المؤسساتي.
الامر الثالث أو الأساسي وهو ننهج السياسات أو فكرة السياسات العمومية في مجال حقوق الإنسان ولابد ان نعترف بأنه ولأول مرة في تاريخ المغرب نضع ساسة عمومية بناء على توصيات إتفاقية سيداو وهي السياسية العمومية التي تدخل في إطار المساواة بطبيعة الحال التي كانت تحمل إسم إكرام والتي تعتبر بطبيعة الحال مكون أساسي من مكونات السياسات العمومية في مجال المساواة وفي مجال إعمال المناصفة من الفصل 19 من الدستور.
كل هذه الأشياء إيجابية في المجتمع تؤكد على أساس ان هناك تحول في المجتمع، لا يعني ان هناك أمور تمت وبشكل أساسي ،هناك مشاكل أساسية لازالت توجد وربما في رأيي أن المشكل الأساسي الذي لازلنا نعيش فيه صعوبات أساسية هو مشكل التنمية. لازلنا لم نستطع أن نفعل مسألة الحقوق الاقتصادية بالأساس والحقوق الثقافية والاجتماعية بالشكل الأساسي الذي يرقى إلى طموحات كافة المواطنين.
لازلنا إلى الآن على مستوى التنمية نعرف أن هناك ثنائية موجودة بين المدن التي تتوفر إلى حد أدنى، وبين العالم القروي الذي يعرف مشاكل لا حصر لها ويمكن أن نتحدث عنها الآن في هذا الوقت، في هذه الأيام، لابد أن نعرف بأن ظاهرة الفقر، الماء الصالح للشرب الآن كيف هو، ومشكل حقيقي مطروح على مستويات متعددة. ومن ثم المشكل الأساسي الذي بطبيعة الحال لازال يواجهنا على مستوى تدبير التحولات التي تحدثت عنها يعني العدالة الانتقالية وهو مشكل التنمية ومشكل المساواة على مستوى الحقوق الاقتصادية. صحيح نحن قمنا مثلاً بدسترة اللغة الأمازيغية على أساس أنها لغة وطنية، ولكن لازلنا لم نقم بمبادرة حقيقية في مجال اكتشاف هذا التراث الكبير الذي هو تراث مغربي أصيل ولازلنا لم نتصالح معه بالشكل الأساسي.
المداخلة الخامسة: ذ عبد الغني السرار، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالجديدة. الذي تناول فيها ” تكوين المكلفين بإنفاذ القانون على المقاربة الحقوقية بالمغرب: دراسة نقدية في ضوء قرار الجمعية العامة رقم 34/169 بتاريخ 17 دجنبر 1979.” حيث اعتبر أن مسار العدالة الانتقالية هو مسار تراكمي، ابتدأ مع تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان 1990، وكان له الفضل في تأسيس هيئة التحكيم، ثم في سنة 2004 تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة، من أجل تدبير ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان اعتمادا على آليات العدالة الانتقالية من قبيل التعويض وجبر الضرر، وتم التركيز على التعويض الخاص بملف الموظفين المعتقلين بسبب أفكارهم السياسية والنقابية.
الجلسة الثانية والثالثة ابتدأت حوالي الساعة 13:00، تناولت مواضيع متنوعة كلها تصب في موضوع العدالة الانتقالية انطلاقا من رؤى تتنوع حسب مداخلات الأساتذة، وقد تم تسير الجلسة الثانية من لدن ذ.محمد الغالي: عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – قلعة السراغنة. والجلسة الأخيرة تم ادارتها من لدن رئيس الجلسة: ذ سعيد بوفريوى، أستاذ باحث في المالية العامة و القانون الإداري رئيس شعبة القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية قلعة السراغنة .
مداخلة ذ عمر الشرقاوي، أستاذ القانون العام، كلية الحقوق بالمحمدية. المعنونة ” 20 سنة من العدالة الانتقالية: قراءة في المنتوج التشريعي“، انطلق من طرح السؤال حول مآلات توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة؟ هل كانت للتوصيات تأثير على المسار التشريعي؟ وهل نحن أمام منتوج تشريعي يتضمن مضمون العدالة الانتقالية كمرجعية؟ وحاول بسط إجابات هذا السؤال انطلاقا من ثلاث عناصر اعتبرها ليست دقيقة ولكن اعتمادا على المنتوج التشريعي للحكومات السابقة، إذ تمت تقديم ثمانمائة نص قانوني منها اثنان وأربعين تتعلق بالاتفاقيات الدولية، أهمها مصادقة المغرب على اتفاقية الاختفاء القسري، فمن خلال هذا المسار يمكن القول أن الفاعل الدستوري لم يأخذ بمضامين هيئة الإنصاف والمصالحة، ربما لعدم إشراكه في منظومة المصالحة، أو لسوء التفاعل بين الحكومة والبرلمان مع الهيئة، بمعنى أن هيئة الإنصاف والمصالحة لم تشكل مرجعا دستوريا، ففي كل التعديلات الدستورية كانت توصيات الهيئة غائبة، والتحدث هنا عن التعديلات ما بعد 2005، وحتى تعديلات المسطرة المدنية لم تعرف هي الأخرى أية إشارات لتوصيات الهيئة، هناك إذن تهميش لتوصيات الهيئة في السياسات التشريعية في كل الحكومات. كما أشار المتدخل أنه في سنة 2012 تم وضع مخطط تشريعي، لكن نجد الفاعل الدستوري (الحكومة والبرلمان) يميلان إلى المخطط الحكومي أو إلى الخطب الملكية أو التفاعل مع اتفاقية دولية. فالكثير من التوصيات كانت لها امتدادات سلبية، فمجموعة القوانين كانت لا تتماشى مع توصيات الهيئة أو تعمل على تعطيلها، واستخلص المتدخل على أن هناك ضعف في مآلات هيئة الإنصاف والمصالحة، فبعد عشرين سنة لازالت التوصيات غير مدسترة.
مداخلة ذ عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون العام، كلية الحقوق- مراكش، بعنوان” ما بعد الإنصاف والمصالحة: دسترة التوصيات والانعكاس على الواقع” ،انطلق في مداخلته: لا نريد أن نجعل أنفسنا حكما على التاريخ الذي هو مزيج من الإيجابيات والسلبيات، فالمؤرخون هم وحدهم المؤهلون لتقييم المسار بكل تجرد وموضوعية بعيدا عن الاعتبارات السياسية الظرفية. بيد أن هذا لا يعني النظر إلى هذه المرحلة كماض طواه الزمن ولا البقاء سجناء له، وإنما اعتبارها جزءا من سجل الأمة العريق مع الحرص على أن يظل التاريخ بالنسبة للمغاربة جميعا وسيلة ناجعة لمعرفة الماضي وفهم الحاضر والتطلع للمستقبل.
لماذا بدأت بهذا المقتطف من هذا الخطاب، فيه اشارتين:
الإشارة الاولى هو أن المؤرخ بعد 20 سنة يمكنه موضوعيا وبكل تجرد وبدون إصطفاف أن يعمل تقييم ايجابي أو سلبي لهذا المنجز. إذا هذا عمل المؤرخين عمل المنظرين عمل الباحثين.
الإشارة الأخرى وهي هذا المنجز وسيلة لمعرفة الماضي وفهم الحاضر والتطلع إلى المستقبل. وإنني أشعر وربما شعور يكاد يكون عاما وهو أن منجز الإنصاف و المصالحة وضعه الفاعلون خلف ظهورهم وليس أمامهم، وهذا مشكل اليوم وكأننا أنجزنا هذا المنجز وتركناه خلفنا وشرعنا في البحث عن منجزات أخرى، وللأسف الشديد هذا ديدن كل الأحزاب السياسية وكل النقابات. الكل يتحدث عن هذا الموضوع ويحتفي به. ولكن خارج هذا الاحتفال هل يتم استحضار هذه التوصيات عندما يتم لحظة الفعل؟ نأخذ مثال بسيط قانون الإضراب الذي يناقش اليوم، هل فاعل حزبي واحد أو سياسي أو أكاديمي إستحضر تقرير هيئة الإنصاف و المصالحة وما تحدث عنه بخصوص هذا الموضوع . لأن تقريبا 60% أو 70% من المشاكل التي جاءت هيئة الانصاف والمصالحة لمعالجتها مرتبطة بالإضرابات وباحتجاجات. كثير من الاضرابات دعت اليها إذا ولو لحظة نناقش فيها ما هو موجود في لحظة في هذا النقاش الذي كان دائر خلال السنوات، وهذا يؤكد بأن منجز هيئة الانصاف والمصالحة تم تناسيه في كثير من الأحيان.
في موضوع التقييم، مؤخرا صديق صحفي متميز طلب مني رأي في موضوع تهميش بعض المناطق قال بأن رغبات تهميش بعض المناطق دليل على رغبة معاقبتها، فقلت لي معذرة صديقي أول مرة سأعتذر عن التفاعل، لأن عبارة هناك رغبة رسمية بتهميش بعض المناطق هذه يلزمها البحث، يلزمها البحث الميداني ، وللخطابات الرسمية و للخطابات الملكية و لخطابات رؤساء الحكومة وزارة الداخلية ،الأمن ، ونستشف منها أن هناك رغبة في الاقصاء بعض المناطق. وهذا الأمر بما أنني لم اقم به وغالبا لم أجده فلا أعتقد أن هناك هذه الرغبة أو على الأقل لا استطيع أن استدل لأن اذا قلت بأن هناك رغبة سيصبح أنا المرجع ، ويمكن أن يتلقف الكلمة أو ما أقوله منبر خارجي أو داخلي ، ويقول هناك رغبة تهميش مناطق زاكورة والريف وغيره بدليل ما قاله الأستاذ و هذا الأمر حدث في كثير ، لكن هذا لا يمنع من تقييم موضوعي بأن من إحدى توصيات الإنصاف والمصالحة وهي جبر الضرر الجماعي ، لا يمنع من استنتاج بأن عودة الاحتجاجات الى تلك المناطق يمكن أن يؤشر على أن هناك خلل في مسألة جبر الضرر الجماعي. لأن المناطق التي أوصت هيئة الانصاف والمصالحة جبر ضررها جماعيا هي مناطق زاكورة الرشيدية فكيك الحسيمة الناظور الحي المحمدي وغيره. إذا عودة الاحتجاجات إلى هذه المناطق ربما يؤشر على أن هناك خلل في التنزيل أو في توطين هذه التوصيات.
دعم التأصيل الدستوري لحقوق الانسان كما هي متعارف عليها دوليا عبر ترسيخ واضح لمبدأ سمو المعاهدات الدولية والاتفاقية، لا أظن أن هذه التوصية تمت حتى دسترتها، لأن عندما تفحص نصوص الدستور لا أجد فيها ما يشير على أن الاتفاقيات الدولية تسمو، نعم في الديباجة صريح العبارة لكن في الفصل 19 جعل الاتفاقيات الدولية تحت رحمة القوانين العادية ليس فقط الدستور. قوانين العادية، تقوية المراقبة الدستورية للقوانين والمراسيم التنظيمية المستقلة الصادرة عن الجهاز التنفيذي وتنصيص على دفع بعدم دستوريه القانون.
اليوم تقريبا فوق 10 سنوات 2011 لا أدرى نتساءل جميعا لماذا هذا الدفع بعدم الدستورية وعندما أتفحص أسباب لماذا عدم إخراج هذا القانون التنظيمي أجدها أحيانا وكان هناك رغبة في أسمي هذه البنود هي “مندوم” عليها إن هذا الفصل الدستور كأنه هناك ندم عليه لأن تكون عدم وجود هذا النص وشكليات لم يعرض على المجلس الوزاري وبعد الشكليات أخرى أشك في هذا الأمر هذا القانون مهم جدا ومن شأنه تطهير المنظومة القانونية من الكثير من العترات والسلبيات.
مداخلة ذ سعيد الخمري، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية، ورئيس مختبر القانون العام وحقوق الإنسان بكلية الحقوق بالمحمدية، الذي عنون مداخلته ب ” أثر المصالحة على الدستور” فقط في قراءة اولية طبعا الدستور والممارسات السياسية، لدي أربع النقاط حول طبيعة هيئة الانصاف و المصالحة وحصيلة عملها كنقطة ثانية وتوصياتها كنقطة ثالثة ثم الوقوف على هذا الأثر الذي نحاول ان نرصده. أولا نعطي تعريف العدالة الانتقالية ثم ما هي الاسباب التي أدت الى إحداث هيئات العدالة الانتقالية وأين تتجلى أهميتها.
أرى ان هذا الموضوع مهم وملهم بالنسبة للطلبة الباحثين و حتى بالنسبة لسلك الدكتوراه يعني كي تبحث في اثر توصيات الانصاف والمصالحة، ليس فقط على الدستور حتى على السياسات العمومية ويمكن يكون دراسة ميدانية وتوثيقية .
حسب تقرير الامين العام المتحدة في 2004 حول سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع والمقدم الى مجلس الامن، يقول أن مفهوم العدالة الانتقالية يشمل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبدلها المجتمع لفهم تركته من تجاوزات الماضي بغية كفالة المساءلة واقامة العدالة وتحقيق المصالحة وتتمثل في الآليات القضائية وغير القضائية مع تفاوت مستويات المشاركة الدولية أو عدم وجودها. يعني قد تكون المشاركة الدولية ومحاكمات الافراد والتعويض وتقصي الحقائق والاصلاح الدستوري. يمكن القول كل تعاريف العدالة الانتقالية كلها تسير تقريبا في هذا الاتجاه. ما هي العدالة الانتقالية وما هي اهداف هيئات العدالة الانتقالية وما هي الاليات التي تشتغل عليها .
إذا بحثنا في سبب إحداث العدالة هيئة العدالة الانتقالية هو أن يكون الهدف هو الانتقال من بيئة سياسية شمولية الى السلطة ذات محكومة بالاستبداد الى بيئة تحول ديمقراطي، يعني هذا الاتجاه. يوجد اتجاه اخر هو الانتقال الى بيئة السلم المدني وهذا بالنسبة للدول التي تعيش صراع مسلح أو عرفت مسلسل سياسي تخللته فترات من النزاع المسلح.
طبعا الأهمية هو اثبات الحقيقة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات توفير منبر عام للضحايا و نقاش العام واقرار التوصية بتعويض الضحايا.
ما هي ملفات حصيلة عملها هي انها بحثت في أزيد من 25 ألف ملف، قررت في شأنها جبر الاضرار الفردية الخاصة ب 20 ألف حالة أو ذويه عند وفاته. أشرفت كذلك على استخراج الرفات من القبور فردية أو جماعية. كذلك تم تنظيم جلسات عمومية للضحايا جزء أذيع على أمواج الإذاعة نظمت جلسات الحوار حول قضايا الإصلاح وتدخلت لتسوية مئات الأوضاع الإدارية والمهنية.
ثم التقرير الختامي في التوصيات هذا التقرير فيه خمسة الكتب وفيه 750 صفحة. تتضمن التوصيات تعزيز احترام حقوق الانسان تعزيز التعليم، دعم التصدير الدستوري لحقوق الانسان تنصيص صريح في أحوال الحريات والحقوق ، حرية التنقل التعبير التنظيم التجمهر الاضراب سرية المراسلات ، حرمة المسكن، احترام الحياة الخاصة ، التنصيص على أن حقوق الانسان الاختصاص الحصري للقانون بمعنى أن البرلمان وحده هو الذي يشرع في ما يخص مادة حقوق الانسان، الضمانات الدستورية للمساواة المراقبة الدستورية على القوانين تجريم الاختفاء القسري.
النقطة الأخيرة الأثر ، في دستور 2011 السياق سرع بتضمين هذه التوصيات هيئة الانصاف والمصالحة في الدستور يمكن لكم بلا مبالغة أنها تقريبا جلها مضمنه في الدستور سواء بشكل مباشر في الباب الخاص بحقوق الحريات أو متفرقات، المحاكمة العادلة استقلال السلطة القضائية.
كذلك على مستوى الممارسة لدينا الخطة الوطنية حول الديمقراطية وحقوق الانسان، ترقية المجلس الاستشاري لحقوق الانسان الى مجلس وطني لحقوق الانسان، مؤسسة ديوان المظالم الى مؤسسة كذا الوسيط، تنظيم برامج تدريب لفائدة المكلفين بإنفاذ القانون على حقوق الانسان، إحداث مؤسسة ارشيف المغرب، المصادقة على اتفاقية الاختفاء القسري، دعوة المقرر الاممي الخاص بالتعذيب لزيارة المغرب وفعلا قام بزيارة للمغرب أول مرة في تاريخ المغرب.
الخلاصة هو انه بالنسبة لي انا في قراءة شخصية أن المسألة لا تتعلق بصورة مظلمة او صورة وردية، هذا واقع المهم. بالنسبة لنا نحن في المغرب هو انه تم تحصين هذه الحقوق التي خرجت إليها هيئة الانصاف والمصالحة في الدستور. ولكن كعدد من المقتضيات الدستورية وعدد من المبادئ التي ينظمها الدستور، الممارسة والتطبيق شيء أخر ترتبط بالفاعل السياسي ، بالفاعل الحزبي، واستراتيجيات الفاعلين.
مداخلة ذ محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري- مدير مختبر الأبحاث في القانون العام والدراسات القانونية والسياسية بكلية الحقوق – الجديدة، بعنوان ” العدالة الانتقالية وسؤال التحول الديمقراطي بالمغرب” مداخلته: هناك إشكاليتين. إشكالية التحول الديمقراطي وإشكالية العدالة الانتقالية. كيف يمكن أن نمزج بين التحول الديمقراطي والعدالة الانتقالية؟ أو العكس. عندما نتحدث عن التحول السياسي نتحدث عن نظام بدأ يتخلى أو هناك تحول من نظام سلطوي إلى نظام ديمقراطي تعددي فيه عدد من الانتخابات ومجموعة من الآليات. عندما نتحدث عن عدالة انتقالية، نتحدث عن مجموعة من الآليات والإجراءات التي اعتمدت أو المعتمدة لطي صفحة الماضي. لفتح أو كشف الحقيقة. وهدف المصالحة في نهاية المطاف هو طي ملف الماضي، جبر الضرر، كشف الحقيقة، تضميد الجراح، تعزيز التعايش السلمي، إلى غير ذلك.
عندما نتحدث عن العدالة الانتقالية في المغرب، بعد مرور 20 سنة، هل تحول المغرب إلى دولة ديمقراطية؟ هل يعيش المغرب أو لا زال يعيش في مسار التحول الديمقراطي؟ باعتبار أن هذا التحول يراه بعض المنظرين بداية الانخراط في مسار التحول. ربما كلنا نعرف، نتحدث على نهاية التسعينات مع مجيء الملك محمد السادس، نتحدث عن هيئة الإنصاف والمصالحة، نتحدث عن مجموعة من الأوراش، سواء الحقوقية، السياسية، الاقتصادية، المؤسساتية. ولكن في المغرب، السؤال المطروح اليوم، أين هو المغرب؟ في أي منطقة يمكن تصنيفه؟ هذا سؤال بطبيعة الحال كباحثين، نحاول اليوم أن نطرح الأسئلة بقدر ما أن نجيب، لأننا نستهدف، نستشف النقاش، بعض التصورات المتعلقة بهذه الإشكالية. لكن سنحاول اليوم أن نعالج الموضوع من خلال أربع نقاط أساسية.
سبق وأن تحدث الزميل سعيد عن مفهوم العدالة الانتقالية، الإطار المفاهيمي للعدالة الانتقالية، وما يعنيه، الإطار واضح. نتحدث عن مسار، عن إجراءات، عن آليات، تساعد أو تطبقها بعض المجتمعات في المرحلة الانتقالية. نظام ينتقل من نظام سلطوي إلى نظام ديمقراطي تعددي. الخطوات التي اعتمدت في المغرب إلى حد كبير ينطبق عليها هذا المفهوم، مفهوم، الإجرائي من الناحية الإجرائية، مفهوم العدالة الانتقالية، لماذا؟ لأن المغرب من خلال هيئة الإنصاف والمصالحة كانت هناك جلسات استماع، كان البوح، وهذه التجربة فريدة، كانت ربما في العالم العربي، ربما المغرب في هذا الجانب، فتحت شاشات التلفزة العمومية للبوح الجماعي. أصبح النساء والرجال يعرضون، يصفون، يسردون مأساتهم، مع الاعتقال، مع الاختفاء، ربما الباحثين كانوا ينظرون إلى هذا البوح الجماعي ما فائدته؟ وهي إلى حد ما حققت، كسر الحاجز النفسي أو العقدة النفسية في علاقة الفرد بالدولة، لأن الدولة فتحت المجال للأفراد للتعبير بكل حرية عن ما عاشوه خلال تلك الفترة. وهذا جانب مهم جدا، وهذا يندرج في إطار الذاكرة الوطنية. نتحدث اليوم على أنه هناك ذاكرة وطنية فيما يتعلق بإشكالية، المطروح، سنتحدث في النقطة الثانية، هل البوح، هل الإنصاف والمصالحة بدون عقاب؟ هذا نقاش يطرح في أمريكا اللاتينية.ربما في بعض الدول الإفريقية وأمريكا اللاتينية عندما أردنا أن نفتح هذا الورش كان هناك طريقين. إما المصالحة، وطي الصفحة، بمعنى عدم البحث عن المصالحة التي ليس غايتها القصاص. بل طي الملف وبناء صفحة جديدة، فتح صفحة جديدة، المصالحة مع الذات، الإقرار بأن هناك تجاوزات في الماضي، هناك انتهاكات، هناك اختفاء قسري في الماضي، كان في الماضي، لكن اليوم نحتاج إلى طرح أسئلة إلى وضع آليات لتجاوز تلك المرحلة. هذا هو الإيجابي. ربما هناك تجارب في أمريكا اللاتينية كانت مسألة العقاب. مسألة فيها نقاش كبير جدا، لأن البعض يرفض هذه المسألة، لأن العفو، هي مسألة تعرقل مسار العدالة لأنها تفتح الباب لمجموعة من الأمور التي قد لا تساعدنا على طي صفحة الماضي.
إذن، العدالة الانتقالية ليست ملفات جاهزة لتصفيتها قضائيا. هو مسار معقد يتداخل فيه ما هو قانوني، ما هو سياسي، وما هو حقوقي، وما هو دستوري. إذن السؤال المطروح اليوم إلى أي حد استطاع المغرب أن ينخرط في هذا المسار، مسار التحول الديمقراطي، انطلاقا من العدالة الانتقالية؟ انطلاقا من المؤشرات المتعلقة بالبناء المؤسساتي، الدستوري والحقوقي.
ثانيا، في بعض الأحيان عندما نتحدث عن العدالة الانتقالية، هناك بعض النماذج التي يمكن أن نعود إليها. أمريكا اللاتينية، أو في العالم، نتحدث من 1960 إلى 1990 هناك ما يقارب 30 تجربة للعدالة الانتقالية في العالم. معظم هذه التجارب كانت في أمريكا اللاتينية وفي إفريقيا. اليوم عندما نتحدث عن التجارب العدالة الانتقالية نتحدث عن الشيلي، عن البرازيل، الأرجنتين. مثلا عن تجربة الشيلي لجنة الحقيقة والمصالحة. لجنة 1985، اللجنة الوطنية للحقيقة والمصالحة في الشيلي. في البرازيل 1986 الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا. لاحظوا التسمية، الحقيقة والمصالحة، يعني الحقيقة والعقاب. إذن هنا في التسميات، إذا البحث عن الحقيقة من أجل تحديد والوقوف عند الاختلالات، عند الأخطاء، ومحاولة المصالحة مع تلك، بناء محطة جديدة. النقطة الأخيرة أشكال التحول كما قلت في الجلسة الافتتاحية، هناك ثلاث أشكال:
النموذج الأول، النظام يتحول، أو يتجسد في التغيير عبر إجراء الانتخابات، وهذا نموذج البرازيل. أن هناك تحول ديمقراطي عبر آلية الانتخابات.
النموذج الثاني، يكون عبر آليات المصالحة، مثل نتحدث عن تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة.
النموذج الثالث، عبر ميكانيزم تعديل الدستور، هنا نتحدث عن الوثيقة السياسية، الانتقال الميكروسياسي. بمعنى أن الوثيقة السياسية أو التعاقد السياسي يفضي إلى انتقال ديمقراطي.
ختاما عندما نتحدث على هذه التجارب هي بمتابة براديغمات التحول. وعندما نتحدث عن براديغم التحول نقصد بها هي نماذج إرشادية يمكن أن نسترشد بها. أو أن هذه النماذج تقدم لنا أشكال ووصفات لانتقال من نظام سلطوي إلى نظام ديمقراطي.
لكن أختم بفكرة أساسية وهي أنه الجانب المؤسساتي في المغرب، الجانب القانوني، الجانب الدستوري إلى حد كبير هناك يعني تراكم إيجابي. لكن على مستوى الممارسة نحتاج اليوم إلى تفكير أو التركيز على البنيات الأخرى، بنيات الثقافية والعقلية، إذن نتحدث عن البنية الثقافية التي تلعب دورا أساسيا. نتحدث على الأحزاب السياسية اليوم، لا يمكن أن نتحدث عن تحول ديمقراطي بدون أحزاب سياسية. إذن نحتاج إلى إعادة التفكير، إعادة قراءة المشهد بطريقة ماكرو سياسي، بمعنى استحضار المؤسسات والآليات التي تساعد على تحقيق هذا التحول الديمقراطي .
مداخلة ذ عبد الغني عماري، أستاذ باحث في القانون العام بكلية الحقوق- الجديدة، بعنوان ” المجتمع المدني والعدالة الانتقالية: الرهانات والادوار” انطلق من سؤال: هل نجحت فعاليات المجتمع المدني في تدبير ملف انتهاكات حقوق الإنسان وتضميد الجراح؟
والانتقال إلى مرحلة السلم والأمان، فالمجتمع المدني يختزل العديد من الجمعيات وهذا يجعله يشكل قوة فاعلة إذا ما تم توظيفه بشكل جيد، ويكون فاعلا في مسار العدالة الانتقالية وهذا حال بعض التجارب الدولية، كما انتقل إلى تناول العدالة الانتقالية انطلاقا بمستلزمات الإصلاحات المؤسساتية والدستورية. حيث ركز على دور المجتمع المدني في تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة ودوره في مواكبتها، من خلال جلسات الاستماع العمومية ورد الاعتبار المعنوي للضحايا وحفظ الذاكرة الجماعية، والملاحظ هو إقصاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من جلسات الاستماع العمومية. كما أوضح على دور المجتمع المدني في مواكبة وتفعيل توصيات الهيئة وموقع الدستور من ذلك عبر خلق مجموعة من المؤسسات التي تم التنصيص عليها في الدستور، واستخلص على أنه بالرغم مما تحقق واعتبر إيجابيا، هناك قصور يتعلق بهذه التجربة من خلال المقارنة بين النوايا والتفعيل، وهذه مسؤولية مطروحة على المجتمع المدني في الدفع بالملفات التي لازالت عالقة من اجل تفعيلها.
مداخلة ذ المصطفى بوجعبوط، مدير المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية، المعنونة ب ” ملفات عالقة في تجربة العدالة الانتقالية بالمغرب بعد 20 سنة مصالحة غير مكتملة” وقد أشار الدكتور أن تجربة العدالة الانتقالية لعبت دورا في التغير الفكري للمجتمع الذي أصبح متشبع بقيم حقوق الإنسان والحريات العام والتغير الذي واكب مخرجات هيأة الإنصاف والمصالحة من الترسانة القانونية والمؤسساتية. كلها قيم تهدف إلى الرقي بالمجتمعات التي تحاول القطع مع إرث الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وأكد أن هذه القيم مبنية على تعاقد جديد سموه احترام القانون والمؤسسات والنهوض بحركة حقوقية قوامها التنمية المستدامة والحرية الإنسانية.
وطرح الدكتور بوجعبوط مجموعة من التساؤلات العالقة خلال مرور 20 سنة تقريبا عن تجربة هيأة الانصاف والمصالحة مرتبطة …..وأكد أن عشرينية العدالة الانتقالية بالمغرب ورثت ملفات عالقة تحتاج إلى البحث والتحري لأجل المعالجة النهائية والبحث على مداخل فضلى للمعالجة، وأشار الدكتور من خلال مداخلته إلى 05 ملاحظات و05 استنتاجات نذكر منها:
اشكالية كشف الحقيقة الذي اعتبره محدود من حيث البحث والتحري في ظل التجربة المغربية، بالرغم من بعض الإيجابيات التي أنجزت، ويدعوا إلى ضرورة استكمال كشف مصير الحالات العالقة، ومعرفة بشكل علمي ADN هويات الرفات المتواجدة في القبور المجهولة بتحديد بشكل دقيق تواريخ الاعتقال أو الاختطاف وأماكن الاحتجاز وظروف الوفاة وأسبابها. واعتبر الدكتور بوجعبوط أن إشكالية رفات الضحايا لازالت عالقة في التجربة المغربية وفتية في هذا المجال سواء تعلق الأمر بضحايا 1981 بالدارالبيضاء أخص بالذكر ” القبور الافتراضية التي تم دفنها قرب الوقاية المدنية” أو ضحايا 1990 بفاس أو ضحايا تازمامارت…..إلخ. ويؤكد أن كشف رفات الضحايا يستدعي الخبرة الجينية وفق القواعد العلمية للاستخراج الرفاة وما تم التوصل إليه تبقى عبارة عن “رفاة افتراضية” ولم تخضع إلا لتحليلات جينية سطحية غير معمقة ودقيقة. 44 حالة.
واشكالية “ملفات خارج الأجل” لضحايا مابين 1956-1999 ملفات أصبح يطرح عليه “خارج الأجل”، حيث هذه الملفات عمرت منذ نهاية عمل هيأة الإنصاف والمصالحة، ظهر من خلالها مجموعة من الضحايا وذوي الحقوق وخصوصا منهم ضحايا 10 دجنبر 1990 بفاس وضحايا آخرين من أحداث 1981 و1984 …، وما تبقى من ملفات أهرمومو (عدم الاختصاص) علما أن البعض منهم قدم ملفه للهيأة وطلب منه استكمال الوثائق ووجد نفسه عند نهاية عمل الهيأة خارج الأجل…. الكل وجدوا أنفسهم أمام مصطلح “خارج الأجل” بالرغم من أنهم يعتبرون ضحايا داخل زمنية هيأة الإنصاف والمصالحة 1956- 1999. ووقف الدكتور بوجعبوط على ملفات العالقة في شأن التقاعد التكميلي الذي كانوا موظفين عمومين، (ضحايا تازمامارت) إلى جانب جبر باقي الأضرار لضحايا “خارج الأجل” وبعض مجهولي المصير وعدم استمرار برامج جبر الضرر الجماعي التي توقفت منذ مدة في 149 مشروع فقط…وبالتالي فهذا الاحتفاء يستدعي تقيم تلك المشاريع والاطلاع على اللوائح الإسمية للضحايا بعد تحينها عن اللوائح 2010 . واعتبر الدكتور أن برامج حفظ الذاكرة التي تتعلق بتحويل المعتقلات غير النظامية إلى مراكز سوسيوثقافية (تازمامارت، اكدز، قلعة مكونة، درب مولاي الشريف، …) تتسم بالضعف في التنفيذ
في الأخير، اعتبر بوجعبوط أن نجاح التجربة في بعدها الحقوقي يحتاج إلى إرادة وتظافر الجهود من لدم مختلف الفاعليين الرسمين وغير الرسمين من خلال هندسة جديدة من إحداث لجنة مؤسساتية مستمرة في المستقبل متخصصة في الرفات والطب الشرعي… وغيرها من التحريات
فالملفات العالقة أصبحت تؤثر بشكل حقيقي على منجز العدالة الانتقالية وخير دليل ما تضمنته التقارير الموازية للمجتمع المدني المرفوعة للجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري سواء سنتي 2022 أو 2024 وما تطرحه الساحة الحقوقية من ملفات مرتبطة باستكمال تنفيذ توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة أو التعويضات الفردية (ملفات خارج الآجل) وحفظ الذاكرة والتقاعد التكميلي وكشف الحقيقة والرفاة…الخ.
مداخلة عبد الحق مصدق، منسق لجنة متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة بالمجلس الوطني لحقوق الانسان. بعنوان ” تسوية ملف الاختفاء كمدخل للقطع مع إشكالية الاختفاء القسري”، انطلق المتدخل من اعتبار الاختفاء القسري هو أبشع صور انتهاكات حقوق الإنسان، وهذا الاسم كان يطلق في المغرب بالمختفي من قبل العائلة، والجمعيات الحقوقية كانت تسميه مختطف، مجهول المصير..، فهيئة الإنصاف والمصالحة مطروح عليها التفاعل مع لوائح الاختفاء القسري بل حتى من طرف الجمعيات الحقوقية، أقر بأن المجلس بدأ منذ 2023 في الاشتغال على هذه الملفات للخروج بلائحة موحدة في ظل تضارب الأرقام، أحيانا يوجد نفس الشخص يحمل أسماء متعددة. كما استحضر الصعوبات التي اعترضت المجلس أثناء اشتغاله على هذا الملف، إذ لم يكن هناك تعريف قانوني للاختفاء القسري، مع العلم أن بدايات الاختفاء القسري بدأن منذ 1956.
نقول بأنه بالإضافة لتسوية ملف الاختفاء القسري كانت هناك فوائد جانبية. فضلاً عن هذا الشيء الذي سميناه الطب الشرعي كي يلعب دوره في المحاكمة العادلة. اهتمينا أيضاً بالمختبرات الجينية الوطنية التي تم تجهيزها بالأطر وبالتجهيزات التي تساهم في البحث عن الحقيقة، اليوم نرى أطر المختبر الجيني التابع للشرطة العلمية، يشتغلون بأريحية، لماذا؟ لأن هو أصلاً لا يعرف هذه الحالة التي يشتغل عليها ، هو يقدم الدليل العلمي، وضميره مرتاح، ليس كما في السابق .
إذن، نقول بأن اليوم في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، سلمنا الأرشيف، لأنه لم يكن الأرشيف، وأعطينا المثال، أرشيف هيئة الإنصاف والمصالحة سلم لأرشيف المغرب. ولكن انتبهنا لمسألة وهو أن قانون الأرشيف لن يفتح حتى 30 عام. بمعنى أن الباحث، لما نقول الجامعة شريك، ولكن في نفس الوقت كما لو نغلق عليها الباب. انتبهنا لهذه القضية وقلنا بأنه يجب تهيئ قاعة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهذه مناسبة لكي نطلب من الطلبة، مجموعة الأساتذة الجامعيين نحضر قاعة. والتي يكون فيها مجموع الأرشيف، نسخة من الأرشيف، طبعاً في بعض المعطيات الشخصية التي تهم الضحايا لا يمكن أن نتقاسمها، أسماءهم، وما تعرضوا له، هناك إشكال التشهير، لا يمكن الحديث عنه إلى آخره.
ولكن الأساسي هو الأرشيف المؤسساتي سيكون تحت تصرف هؤلاء الباحثين. أعتقد بأنه، وأود أن أقول للطلبة هناك العشرات من الدكتوراه ينتظرون في كل مؤسسة. في جميع المجالات، في الآداب، في السوسيولوجيا، في القانون. إذن يجب من يهتم بهذا الموضوع.
وفي الحقيقة الطلبة محتاجين لهذا النوع من المحاضرات، حتى نحن كممارسين، نشتغل على ملفات معينة، محتاجين أننا نخرج إلى حد ما من الملفات ومن التفاصيل، ومن العمل اليومي، لكي نستمع حتى نحن للملاحظات والأسئلة التي يطرحها الأساتذة والتي تطرح في الجامعة. وهذا التواصل ، ما بين الجامعة والممارس، مهم جداً للجانبين.
طرح الأستاذ بن خطاب في الصباح تساؤلات ، قال بأن التفاصيل لا تهمني، ما يهمني هو الأثر، آثار عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، هل هناك قطيعة مع الماضي؟ هل هناك ضمانات عدم التكرار؟ إذن ليس الجوهر. وهناك أيضاً مقاربات التي تغرق في التفاصيل، كم من الأفراد عوضوا، حتى هي لديها المشروعية ، ولكن نجدها أكثر ليس في الجامعة، بل في مجال الجمعيات الحقوقية، أكثر حتى من الضحايا أنفسهم لا تطرح المسألة.
أود أن نشير بأن الكم لا يعني بأننا مباشرة سنصل الى الكيف. نعطي مثال. لنفترض مثلاً بأن وجدنا الحلول لجميع هذه المشاكل ، تعويض جميع الضحايا، و نفتح مرة أخرى آجالات جديدة، ونعوض جميع الضحايا ، فهل هذا سيؤدي بنا مباشرةً إلى ما طرحه الأستاذ في مقاربة الأستاذ بن خطاب؟ أن آثار الانتهاكات ستزول. هل هذا أوتوماتيكي؟ نأخذ مثال، لدينا تجربة أصلاً غير معروفة، الجزائر حتى لديها هيئة ، سميت المصالحة. المعلومات عنها غير منشورة. ولكن في علاقة مع باحثة أمريكية، التي اهتمت بالتجربة المغربية منذ انطلاقها، قبل أن تبدأ هيئة الإنصاف والمصالحة وهي تكتب عنها، وأيضاً اهتمت بالتجربة الجزائرية. في أحد الأيام، في النقاش معها، قلت لها بأن التجربة المغربية من إيجابياتها أنها كانت سخية في تعويض الضحايا. فأجابت مباشرةً، وهي على يقين، قالت لي: “التجربة الجزائرية منحت مبالغ مالية التعويض تفوق المغرب”. عملية المصالحة، قالت لي: “يأتون الضحية، ويقولون له هذا هو الشيك، ولكن هذا الموضوع لن تتحدث عنه”، بمعنى طمس الحقيقة نهائياً. هل هذه المقاربة التي عوضت مجموع الضحايا وبمبالغ خيالية، هل تعني بأن آثار ما تعرضوا له في الجزائر بأنها أعطت نتائج؟ إذن هذا هو النقاش، أعتقد. وهذا هو النقاش الذي يجب يكون في الجامعة.
أما الجلسة الأخيرة فقد تضمن مداخلات ذات أهمية، فقد تدخل ذ.عبد الكريم حيضرة: أستاذ التعليم العالي، رئيس شعبة القانون العام، مدير مختبر الابحاث القانونية وتحليل السياسات متخصص في القانون الاداري والمنازعات الادارية- مراكش. بمداخلة معنونة: ب”مساهمة المحاكم الادارية في صيانة الحقوق والحريات بالمغرب”، والدكتور مهدي منشيد: أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق المحمدية. بمداخلة حول موضوع:”سياقات حقوق الانسان في المغرب المستقل: من ماضي الانتهاكات إلى مسلسل البناء الديمقراطي”، والدكتور خالد عثماني: أستاذ التعليم العالي-كلية الحقوق- الجديدة بمداخلة معنونة ب:. La lutte contre la torture : d’une justice transitionnelle vers une justice préventive
أما بالنسبة للدكتور نجيب جيري: استاذ القانون العام، منسق ماستر الادارة الرقمية للتنمية وهندسة انساق الحكامة المالية والضريبية. بمداخلة معنونة ب”تأملات في مطلب المصالحة: وهم القطيعة مع أطروحة “نهاية الانتهاك” وبداية ” عهد الحقوق””، أما الدكتور عبد الصمد الهرشيش : أستاذ بكلية الحقوق- الجديدة، بمداخلة معنونة ب:“Penser l’IER au prisme de Rawls, Habermas et Shaklar”، أما المداخلة الأخيرة للباحث عبد البر نصوح: باحث في القانون العام وعلم السياسة حول عنوان: العدالة الانتقالية، ودينامية الإصلاح الديمقراطي”.
واختتمت أشغال الندوة العلمية بالتفاعل مع أسئلة ذات أهمية من لدن الطلبة بكلية الحقوق الجديدة، وتم بعدها توزيع الشواهد على المشاركين في أشغال الندوة وتكريم الأستاذ الكبير أحمد بوجداد، أستاذ التعليم العالي-كلية الحقوق- أكدال- الرباط بمنحه رمزا تذكاريا مميزا يجسد اعترافا لعطائه الكبير في القانون العام والعلوم السياسية.