تجربة العدالة الانتقالية في الشيلي بين الانقلاب العسكري على الشرعية وتحقيق المصالحة الوطنية.
أ .حـــاميــد زيـــــار، باحث في القانون العام والعلوم السياسية وعضو المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية – المملكة المغربية
ملخص الدراسة:
لقد عرف العالم تشكل مفهوم العدالة الانتقالية مند الثمانينات انطلاقا من تجارب وطنية في العديد من دول العالم خاصة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وقد ساهم في ذلك التحولات السياسية الدولية ثم تصاعد مد المطالب السياسية والحقوقية لحركات المجتمع المدني الداخلية في وجه هذه الأنظمة، مما فرض عليها الانتقال من أنظمة حكم شمولية الى أنظمة ديمقراطية، و تحقيق مصالحة وطنية تروم الاعتراف بحقيقة الجرائم المرتكبة ضد الانسانية والمسؤولون عنها ومحاكمتهم، ثم تعويض الضحايا المتضررين منها.
وتهدف هذه الدراسة الى تناول تجربة الشيلي في العدالة الانتقالية من حيث سياقاتها وظروف تطبيقها، بدء من تجربة أليندي الديمقراطية ثم الانقلاب العسكري عليها وصولا للانتقال الديمقراطي وتطبيق العدالة الانتقالية.
الكلمات المفتاحية : العدالة الانتقالية – الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان – الديكتاتورية – الجنرال بينوتشي – النظام العسكري – المحاكمات – لجنة الحقيقة والمصالحة – التعويض.
Abstract:
The world has defined the concept of transitional justice since the 1980s, based on national experiences in many countries of the world, especially in Latin America and Africa. This has contributed to the international political transformations and the escalating political and legal demands of internal civil society movements against these regimes. From totalitarian regimes to democratic systems, national reconciliation intended to recognize and prosecute the crimes against humanity and those responsible for them, and then to compensate the victims affected.
This study aims at addressing the experience of Chile in transitional justice in terms of context and conditions of application, starting from the experience of Allende democracy and then the military coup against it to reach the democratic transition and the application of transitional justice.
Key words: Transitional Justice – Gross Violations of Human Rights – Dictatorship – General Benucci – Military Order – Trials – Truth and Reconciliation Commission – Compensation.
مقـــدمـــة:
لقد بدأ مفهوم العدالة الانتقالية في التبلور بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بأوروبا فيما يخص ضحايا النازية، رغم أن الملف تم تغليفه بالطابع السياسي خاصة بعد تقسيم ألمانيا الى شرقية وغربية من طرف الحلفاء في إطار صراع المعسكرين. لكنه سيتخذ بعدا آخر في أمريكا اللاتينية التي عرفت بالانقلابات العسكرية وسيادة الأنظمة الشمولية.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين عرفت العديد من دول العالم تشكيل لجان وهيئات تختص بالعدالة الانتقالية، أطلقت عليها تسميات مختلفة لكنها تلتقي جميعها في الكشف عن الحقيقة وتحقيق مصالحة داخلية، وكانت دول أمريكا اللاتينية أول من بادر في ذلك تبعتهم جنوب أفريقيا.
وتقضي العدالة الانتقالية الوقوف على ماضي الانتهاكات الجسيمة التي مورست في حق المواطنين داخل بلدانها، و الاعتراف بها لخلق مصالحة وطنية بعد التحقيق في تلك الجرائم لطي صفحة ذلك الماضي الأليم، والانتقال الى مجتمع المصالحة وتكريس الديمقراطية.
في هذا السياق الدقيق، يحيل مفهوم العدالة الانتقالية إلى سياسات واستراتيجيات دولية ووطنية لمواجهة الماضي (رغم أن لكل حالة وضعها الخاص، وأن ليس ثمة نماذج عالمية حول كيفية مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان الماضية). ومع ذلك، توجد مبررات وعوامل قوية لمواجهة كل أشكال الماضي السياسي العنيف من منظور تقوية الديمقراطية والقدرة على عدم السماح بعودة الماضي الاليم[1].
وتعتبر تجربة الشيلي في مجال العدالة الانتقالية من التجارب الرائدة على مستوى أمريكا اللاتينية والعالم، في كيفية التعامل مع ماضي الانتهاكات إبان حكم الديكتاتورية، انطلاقا من خصوصيتها على اعتبار أن لكل تجربة سياقاتها وظروفها.
أهمية الدراسة :
تتجلى أهمية الموضوع في الكشف عن ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في عهد الحكم العسكري، والعمل على تحقيق المصالحة الداخلية.
أهداف الدراسة:
يهدف موضوع الدراسة الى تحديد الأهداف التالية:
- تحليل الوضع السياسي بالشيلي.
- رصد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان إبان فترة الحكم العسكري والوقوف عليها.
- الانتقال الديمقراطي وتطبيق العدالة الانتقالية.
إشكالية موضوع الدراسة:
يحاول موضوع الدراسة إثارة إشكالية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان والظروف السياسية التي حدثت فيها، وكيف استطاعت الشيلي تجاوزها والتعاطي مع تجربة العدالة الانتقالية.
ويتفرع عنها الإشكالية تساؤلات فرعية على الشكل التالي:
- ماهي الوضعية السياسية للشيلي إبان حكم الديكتاتورية وما قبلها؟
- كيف استطاعت الشيلي الانتقال من الديكتاتورية الى مصاف الدول الديمقراطية؟
- هل نجحت الشيلي في تجربة العدالة الانتقالية وتحقيق المصالحة؟
المناهج المعتمدة:
تم الاعتماد في هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي، انطلاقا من رصد السياقات السياسية التي سمحت للديكتاتورية بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان بالشيلي، ثم الوقوف على تجربة العدالة الانتقالية في هذا البلد والظروف التي ساعدت على ذلك.
فرضيات الدراسة:
تنطلق الدراسة من الفرضيات:
- أن الظروف الخارجية الدولية ساهمت في الانقلاب على الديمقراطية ووصول الديكتاتورية للحكم في الشيلي.
- تصاعد المد النضالي وحركية المجتمع المدني أدى الى الاطاحة بالديكتاتورية والانتقال لمرحلة جديدة، تنتقل معها الشيلي الى الديمقراطية وتحقيق المصالحة الداخلية.
محاور موضوع الدراسة:
سنقسم موصو ع الدراسة الى محورين أساسيين، وكل محور له عناوين فرعية مرقمة ومرتبة، تتمثل المحاور الأساسية فيما يلي:
- سياف وظروف انتهاكات حقوق الانسان بالشيلي. (المحور الأول ).
- المصالحة وتحقيق العدالة الانتقالية. (المحور الثاني).
المحور الاول : سياق وظروف انتهاكات حقوق الانسان بالشيلي
1 – التعريف بدولة الشيلي
تعتبر الشيلي من الدول التي شكلت مع البيرو وبوليفيا والإكوادور حضارة امبراطورية الإنكا بمنطقة أمريكا الجنوبية، على اعتبار أن هذه الامبراطورية بنتها شعوب من الهنود الحمر السكان الأصليون، واستمرت هذه الإمبراطورية حتي وصل إليها الغزو الإسباني سنة 1532، مع العلم أن أمريكا اللاتينية كلها تعرض شعبها للمآسي والمحن منذ وصول الغزاة الاسبان بعد اكتشاف كريستوفر كولمبوس للقارة الامريكية سنة 1492، حيث تمت إبادة شعوبها بوسيلتين: الأولى الحروب القاسية والدامية الظالمة التي شنت ضدها، والوسيلة الثانية تجلت في الاستغلال والاسترقاق اللذين لم تعرفهما حتى الدواب، والسبب الذي جعلهم يدمرون ويبيدون السكان الأصليون هو تعطشهم للذهب ورغبتهم في جمع الأموال الوافدة بسرعة من أجل الارتقاء الى مستويات اجتماعية لا يستحقونها.
فالإنكا كانوا يحكمون الجزء الشمالي من الشيلي قبل سيطرة الإسبان عليها في القرن السادس عشر ( 16 م ) حيث تركز السكان الأصليون في المناطق الجنوبية والوسطى، قبل أن تصبح البلاد مستعمرة إسبانية، و أقاموا أول مستعمرة إسبانية في سانتياغو علي حساب السكان الأصليون رغم المقاومة الشرسة للسكان، وبذلك أصبحت الشيلي تابعة مباشرة للتاج الاسباني.
وفي سنة 1818حصلت الشيلي على استقلالها من اسبانيا مستغلة الظروف التي كانت تمر منها اسبانيا خاصة خوضها لحرب ضروس ضد فرنسا التي كان يقودها نابليون بونابارت. وبدأ العديد من الأوربيين في نهاية القرن 19 من الاستقرار في الشيلي كالألمان والبريطانيين والفرنسيين والايطاليين، كما انتقل الصينيين من أجل تقديم الدعم والمساعدة في بناء الدولة الحديثة العهد باستقلالها خاصة في مجال بناء السكك الحديدية، وعندما أعلن عن قيام جمهورية بالشيلي، دخلت في حروب مع جيرانها البيرو ثم بوليفيا سنة 1836 استمرت عدة سنوات.
فجمهورية الشيلي تقع على طول الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية، يحدها من الشمال البيرو، والشمال الشرقي دولة بوليفيا، ومن الشرق تحد بالأرجنتين، ومن الغرب المحيط الهادي، كما أنها تتمتع بحدود ساحلية بين العديد من الدول المجاورة لها. ينتشر بها مناخ قاري و يبتدأ الصيف فيها من شهر دجنبر حتى شهر مارس ويكون الجو معتدلا ليلا ومشمسا نهارا، وشهور الشتاء تبدأ من شهر يونيو حتى شهر شتنبر، وتتساقط الأمطار والثلج في فصل الشتاء بكثرة[2].
الصورة رقم 1 : خريطة موقع وحدود دولة الشيلي بأمريكا اللاتينية [3]
عدد سكان دولة الشيلي حسب آخر إحصائيات – يونيو 2016 – وصل حوالي 18 مليون و191 الف نسمة، معظم السكان من الهنود الأمريكيون، كما استقرت نسبة هامة من السكان الاسبان، واختلطوا بالهنود الأمريكيون، وشكلوا سكان الميسيتيزو ( كلمة إسبانية تعني خليط) نحو 65./. من سكان الشيلي، وأكثر من الربع من السكان هم من أصول أوربية، والهنود الأمريكيون المستوطنون يشكلون حوالي ./.5 من سكان الجمهورية. ومساحتها تصل حوالي 757 ألف كلم مربع، عاصمتها سانتياغو وهي من أ كبر المدن الشيلية مساحة وسكانا، كما تتوفر البلاد على ثروات طبيعية مهمة منها الثروة الغابوية والموارد المعدنية كالنحاس، الفضة، الذهب والحديد. وتعتبر اللغة الإسبانية اللغة الرسمية للشيلي واللغة الأكثر انتشارا وتواصلا نظرا لكثرة الأصل الاسباني بين سكانها، كما أن هناك لغات أخرى متعددة تستخدم في التواصل كاللغة الهندية التي يتواصل بها الهنود الأمريكيون واللغة الألمانية بحكم تواجد جالية ألمانية مستقرة هناك ثم اللغة العربية بين الجالية العربية التي هاجرت من لبنان وفلسطين وسوريا في القرن التاسع عشر ( 19م ) إبان الحكم العثماني الذي مارس عليهم الاستبداد. كما أن الشيلي تعرف تعددا من حيث دياناتها بسبب تعدد عناصر شعبها، وغالبيتهم يدينون بالمسيحية ويشكلون أتباع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، مع وجود عدد قليل من المسلمين.
2 – حكم الطبيب سلفادور أليندي.
عرفت الشيلي خلال الستينات ثلاث تكتلات حزبية تناوبت على الحكم بشكل متسلسل، ففي سنة 1958 فاز اليمين وحكم الى حدود سنة 1964، وبعدها انتصر المسيحيون الديمقراطيون الذين يمثلون الوسط وحكموا حتي سنة 1970، وفي نفس السنة انتصر اليسار بزعامة سلفادور أليندي واستمر في الحكم الى أن وضع الانقلاب حدا لحكمه[4]، يعني أن الشيلي عرفت في فترة الستينيات انتقال تدريجي نحو اليسار كما كان في جميع دول العالم، حيث كان المد الاشتراكي في تحد مباشر للنظام الرأسمالي.
في 4 نونبر 1970 وصل الزعيم الاشتراكي سلفادور أليندي الى رئاسة دولة الشيلي في انتخابات حرة ديمقراطية وشفافة، لم تعجب الولايات المتحدة الأمريكية على اعتبار أن أمريكا اللاتينية وقتها كانت تعرف تصاعد المد الاشتراكي الذي يعادي الرأسمالية في تقاطع مع الصراع الايديولوجي الذي عرفته الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي–الاتحاد السوفياتي– والرأسمالي– الولايات المتحدة الامريكية.
فبعد نجاح الطبيب اليساري المؤمن بقدرة الاشتراكية على تحقيق مجتمع أكثر إنسانية لشعبه وفي احترام تام للدستور، وبالوسائل السلمية للتحول نحو المجتمع الاشتراكي، قام باتخاذ العديد من الإجراءات الشجاعة التي ضربت في العمق مصالح الرأسمالية الأمريكية داخل الشيلي من خلال الوقوف بجانب شعبه.
وتعتبر سياسية سلفادور أليندي في الحكم استمرار ا لما قام به الرئيس الشيلي السابق “إدواردو فراي مونتالفا” إبان فترة حكمه في الفترة ما بين 1964 و1970، حيث ركز مجهوداته على الجانب الاجتماعي للمواطنين من خلال استهدافه لقطاعات حساسة ومهمة من قبيل الصحة والتعليم وتوزيع الأراضي الفلاحية على من هم في حاجة لذلك، وحققت سياسته نسب مهمة من النجاحات.
أمام هذا الوضع لم تقف أمريكا مكتوفة الأيدي خاصة بعد أن اتضح لها أن الطبيب سلفادور أليندي أصبح يشكل تهديدا كبيرا لمصالحها داخل الشيلي، لكن في نفس الوقت لم تكن لها القدرة للطعن والتشكيك في مصداقية الحاكم الذي حمله شعبه الى الحكم في انتخابات ديمقراطية شفافة ونزيهة، هنا بدأت أمريكا بالتفكير في كيفية التخلص من هذا الطبيب المزعج، فكان لديها إتنان من السيناريوهات، الأول من الخارج وتمثل في ضغطها على المؤسسات المالية ومطالبتها بعدم تقديم قروض للشيلي وهذا ما جعل الوضع الاجتماعي يزداد تأزما استغلته الأحزاب السياسية المعارضة، وبدعم وتمويل من المخابرات الأمريكية نزلت للشارع في احتجاجات و إضرابات مفتوحة– اضرابات شاحنات لنقل وسائقي الحافلات–بالعاصمة سانتياغو، مما ساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية التي أجبرت العديد من مساندي الرئيس التخلي عنه، أما السيناريو الثاني فكان من الداخل، حيث بدأت أمريكا تفكر بالقضاء على أليندي وذلك بالبحث عن صيد ثمين قادر على القيام بالمهمة الموكولة إليه بكل إتقان، وهي تدمير أحلام الشعب الشيلي، ونجحت في ذلك من خلال الحصول على الشخص المناسب، والذي لم يكن سوى” أوغستو بينوتشي ” قائد الجيش الذي استولى على السلطة بدعم أمريكي في 1973 بعد محاصرته للقصر الرئاسي بدباباته مطالبا الرئيس الشرعي بالتنحي والهروب خارج البلاد، لكن أليندي الذي ارتبط بهموم شعبه رفض العرض وتشبت بحقه الشرعي وارتدى الوشاح الرئاسي الذي ميز رؤساء الشيلي طيلة قرنين من الزمان، ليسقط شهيدا داخل القصر بكرامة العظماء.
3- حكم الديكتاتور أوغستو بينو تشي.
ولد أوغستو بينو تشي أوغارتا في والبار يسو في 25 نونبر 1915، درس التعليم الابتدائي والثانوي في كلية القديس رفاييل وبعدها في معهد كويلوتا ( الإخوة ماريست ) وهم المبشرون الفرنسيون في والباريسو، وفي سنة 1933 دخل المدرسة العسكرية ليتخرج منها بعد أربع سنوات برتبة ملازم ثاني في المشاة، تزوج سنة 1943 وله خمسة أطفال، عاد للأكاديمية العسكرية ليواصل دراساته فيها، وانقطع عن الدراسة سنة 1948 بعدما اتجه لإخماد حالات التمرد في مناطق الفحم في لوتا.[5]
بعد حصوله على لقب ضابط رئيس هيئة الأركان سنة 1951 أصبح مدرسا بالأكاديمية العسكرية وفي نفس الوقت عمل أستاذ مساعد في أكاديمية الحرب، كما نشط في تحرير مجلة ” تشين اجويلاس” وفي 1953 أرسل الى أريكا برتبة عسكرية عليا، وعين أستاذا في أكاديمية الحرب، وعاد الى سانتياغو عاصمة الشيلي لأجل منصبه الجديد، كما حصل على الباكالوريا ودخل كلية الحقوق.[6]
في سنة 1965 أرسل في مهمة عسكرية الى الإكوادور مع مجموعة من الضباط الشباب، فانقطع عن دراسته بالحقوق ليعوضها بدراسة الجغرافية السياسية والعسكرية والاستخبارات العسكرية، وبقي هناك في مهمته ثلاث سنوات ليعود بعدها للبلد ويعين قائد فوج إزميرالدا، وبسبب نجاحه عين رئيسا لثانوية تابعة لأكاديمية الحرب سنة 1963.
لقد تدرج بينوتشيي في رتبه العسكرية بسرعة، ففي سنة 1968 سمي رئيس أركان الفرقة الثانية للجيش، وبعد سنة رقي لرئيس الأركان في العاصمة وحصل على رتبة عميد وقائدا لمقاطعة تاراباسا، وفي سنة 1971 رقي الى رتبة جنرال فوج وصار قائد حامية سانتياغو، وفي سنة 1972 أصبح رئيس هيئة الأركان ثم بعدها في غشت 1973 عين من طرف الرئيس سلفادور أليندي القائد الأعلى للجيش.
ابتداء من سنة 1973 وبتزكية من الرئيس سلفادور أليندي نفسه، أصبح بينوتشي يشغل منصب رئيس الحكومة دون أن يعلم أليندي حينئذ بان هذا الرجل هو الضلع الأمريكي الخفي الذي يعمل على تقويض سلطاته تدريجيا، ودون أن يعلم بأن هذا الحليف الجديد للولايات المتحدة الأمريكية هو نفسه سيقتحم عليه قصره ذات يوم ويرديه قتيلا برصاصات مسدسه ليستكين جسده الذي رفض الخضوع لمطالب واشنطن وعملائها.[7]
وبعد قتل الرئيس المنتخب شعبيا وديمقراطيا، قام بأول إجراء هو حل البرلمان وتعليق العمل بالدستور، وعمل على تشكيل مجلس عسكري حاكم من الرجال المقربين له، كما قام بمحاصرة الأحزاب السياسية اليسارية التي شكلت دعما لسلفادور أليندي ومنعها من ممارسة أنشطتها السياسية، وحرص النظام العسكري على إسكات أي معارضة سواء بالقتل المباشر لأكثر من ثلاثة آلاف معارض من طرف الشرطة السرية و السجن والتعذيب، وعمل على مطاردة اليساريين في كل البلاد، وبدأت ظاهرة الاختفاء القسري تميز المرحلة، كما تم اعتقال آلاف المواطنين وإطلاق سراحهم بعد تعذيبهم، وهروب العديد من المواطنين للخارج مطالبين اللجوء السياسي خوفا من القمع أبرزهم الشاعر الحاصل على جائزة نوبل للسلام في الآداب بابلو نيرودا، والهدف من كل هذ الممارسات التسلطية كان هو اجتثاث جدور الشيوعية.
ونظرا لحدة الانتهاكات الجسيمة واتساع نطاقها سيتحرك المنتظم الدولي وستصرح الجمعية العامة للأمم المتحدة بوجود “ممارسات منظمة من التعذيب وسوء المعاملة والاحتجاز التعسفي”، على خلفية هذا الاعتراف تكون فريق خاص ضم خبراء دوليين وأعضاء من اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة الدول الأمريكية، وسيكلف هذا الفريق الذي عرف ب ” الفريق الخاص المعني بالشيلي” بمتابعة الوضع وإعداد تقرير مفصل عنه، وسينتهي بعد سنة من عمله الى تقديم توصية بضرورة قيام المجتمع الدولي بمحاكمة المسؤولين عن التعذيب، في ظل أجواء التحرك المبكر للمجتمع الدولي أصدر بينوتشي مرسوم عدد 2191 المتعلق بالعفو الذاتي على كل الموظفين والمسؤولين الذين ساهموا في استتباب الأمن وقيام الحكم العسكري، الأمر الذي حال دون محاكمة جرائم حقوق الإنسان التي ارتكبت منذ حدوث الانقلاب العسكري، كما منح لنفسه وبعض الجنرالات الذي قادوا الانقلاب الحصانة البرلمانية [8].
لقد تبنى الحاكم العسكري للشيلي توجها رأسماليا واضحا، واعتمد آليات اقتصاد السوق، وأعلن أنه يطمح لجعل الشيلي أمة من رجال الأعمال لا البروليتاريين، وأعلن إطلاق عصر الخصخصة، وألغى الحد الأدنى للأجور، وأبطل اتحاد حقوق العمال وعمل على خوصصة الصناعات الرسمية والبنوك، وخفض الضرائب على الأرباح. فهذه السياسات تؤكد بالملموس أسباب الانقلاب في الشيلي والتحالفات التي ساهمت فيه، والتي تضررت من سياسات سلفادور أليندي الاجتماعية خاصة تأميمه لمناجم النحاس الشيلية التي كانت خاضعة تماما لسيطرة الشركات الأميركية، والتي جعلت الشيلي خارج السيطرة الأمريكية، فالانقلاب لم يكن الهدف منه الوصول للسلطة فقط وإنما تحطيم التنظيمات الاجتماعية والسياسية التي دعمت أليندي في محاولة لتجنب قيام نظام اشتراكي آخر في الشيلي مستقبلا، والهدف أصبح واضحا هو بناء اقتصاد ليبرالي في دولة ديكتاتورية[9].
لكن سياسة الديكتاتور التي اتبعها بدأت تمس مصالح مجموعته المقربة، وبدأ التصدع يظهر داخلها نتيجة تضارب المصالح وسياسة بينوتشي اتجاه بعضهم، وهذا ما جعلهم يشكلون تكتلا ضد سياسته الاقتصادية الرأسمالية والاقتصاد الحر الذي يتقاطع مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وفي نفس الوقت ضرب لمصالح الاقتصاديين المقربين منه، ومما زاد من حدة التوتر ضده إعلان نفسه أنه الرجل الوحيد القادر على جعل بلد الشيلي بلدا لرجال الأعمال وليس للبروليتاريين، وأن قراراته أوامر لا رجعة فيها، وكان اعتماد بينوتشي المطلق على رجال الأعمال الأمريكيين هي من جرت عليه سخط المقربين ورجال الأعمال الشيليين خاصة بعد تصاعد الاحتجاجات.
كما أن هذه السياسات بدأت تخلق ردات فعل بين طبقات الشعب، فرغم أن طبقة الرأسمالية قد رأت في ذلك خطوة فعالة نحو الازدهار كونه أطلق لهم مجال الغنى والثراء، فإن الطبقة العمالية رأت ذلك تحديا لحقوقها التي يحفظها لهم الدستور، خاصة أن سياسته كانت مناقضة لسياسة سلفادور التي كانت تهدف تحقيق العيش الكريم لأبناء وطنه بعد تأميمه لكل الشركات الأمريكية، كل هذا أدى إلى حالة من السخط بين أفراد الشعب الذين شكلوا لبنات المعارضة من الحركات العمالية ابتداء من ماي 1983 و أخذت البلاد طريقها نحو المجهول.[10]
وفي شتنبر من سنة 1986 أقدمت المعارضة على محاولة فاشلة لاغتيال بينوتشي قامت بها جبهة مانويل رودريغيز الوطنية، ورغم نجاة الديكتاتور إلا أنه أصيب بجروح خفيفة، وقتل خمسة من حراسه الشخصيين العسكريين، وتوعد الديكتاتور معارضيه بردود عنيفة، وتجلى ذلك في جرائمه الوحشية التي أعقبت الإنقلاب عندما حول ملاعب كرة القدم بالشيلي الى سلخانات للعديد من المعتقلين والقتلى، وستبلغ جرائمه ذروتها عندما أعدم خوسيه مانويل بارادا ومانويل غويريرو، وسانتياغو ناتيني من طرف الشرطة العسكرية، وهذا ما دفع الجنرال ميندوزا الى تقديم استقالته خاصة بعد القرارات الرأسمالية المتوحشة للديكتاتور وتصاعد غضب الشارع.[11]
وعلى المستوى الخارجي كان بينوتشي قد جمد وقطع علاقاته الاقتصادية والسياسية مع كوبا التي ربطت علاقات متينة مع أليندي وكل من كانت تتبنى النظام الاشتراكي بما فيها الاتحاد السوفياتي، وهذا فيه تأكيد على خدمة أجندة الرأسمال الأمريكي التي كانت مصالحها مهددة بالمد الاشتراكي في أمريكا اللاتينية.
غير أن التحولات والمتغيرات الدولية التي سيعرفها العالم نهاية الثمانينات–تفكك الاتحاد السوفياتي – وإلحاح الولايات المتحدة الأمريكية على إعادة تلميع الصورة في التشيلي، قد دفع ببينوتشيه الى التخلي عن السلطة، وذلك في ظل دستور 1980 الذي ضمن من خلاله مصالحه، إذ نص على عدم انتقال قادة الجيش، كما يعطيه الإمكانية بعد التخلي عن منصبه العسكري أن يصبح عضوا في مجلس الشيوخ مدى الحياة، وهذا الأمر يخول له الحصانة البرلمانية التي تحول دون متابعته ومحاكمته أو اعتقاله بسبب الجرائم التي ارتكبها إبان سنوات حكمه للبلاد، وهو الشرط الذي فرضته الطغمة العسكرية للتخلي عن السلطة للمدنيين وتسمح بالانتقال الديمقراطي وذلك حتى لايتعرض للمحاسبة.[12]
إن الأحداث التي عرفتها الشيلي جعلت الولايات المتحدة الأمريكية تتابعها بتأمل وهي ترى أحد رجالاتها يتساقط، خاصة بعد ضغوط الشركات على الإدارة الأمريكية بتقديم الدعم للرئيس للقضاء على المعارضة خوفا، على اعتبار أن نجاحها سيكلف شركاتهم الكثير، وبدأ الديكتاتور يعي بقرب نهايته الحتمية، خاصة بعد قرار المحكمة العليا ببطلان قرارات الرئيس كلها، ودعت الى إجراء انتخابات جديدة تسمح للمعارضة بالمشاركة فيها خاصة زعيمها ” ريكاردو لاغورس ” والذي سيفوز بها بأغلبية مطلقة التي فرضت على الديكتاتور بينوتشي بالتنحي على السلطة سنة 1990.
فالانقلاب العسكري للديكتاتور بينوتشي هو استمرار لمنهجية المؤسسة العسكرية بأمريكا اللاتينية عامة والشيلي خاصة، فمنذ استقلال الشيلي عن اسبانيا سنة 1818 وهي مستهدفة من تدخلات الجيش، ففي كل مرة كان يتدخل لتعليق الديمقراطية بالبلد لوقف المد الاحتجاجي المتصاعد والمطالب بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ويفسر ذلك الانقلابات المتتالية بدءا بالرئيس الثاني “بيرناردو أويخينيس ريكلمي” (1817- 1823) ثم انقلاب ثاني سنة 1829-1830، وآخر على الرئيس “أرتوروأليساندري بالما” ( شتنبر 1924- يناير 1925) وآخر على “خوان إستيبان مونتيرو رودريغيز” سنة 1932، وفي كل مرة كان يتدخل الجيش لقمع أي تحرك شعبي أو تمرد كما كان يسميه.
المحور الثاني : المصالحة وتحقيق العدالة الانتقالية.
1 – نهاية الديكتاتورية وبداية عهد جديد
تبعا لدستور سنة 1980 الانتقالي الذي تم التصويت عليه بنسبة ./.75 من الناخبين، قام الديكتاتور بتنظيم استفتاء غير ديمقراطي لصالحه كمرشح وحيد لضمان استمراريته في الحكم، لكن المحكمة العليا كان لها رأي آخر و قامت بإبطاله، ونظمت عملية الانتخاب والتصويت وحددت كل الإجراءات المتعلقة بالعملية الانتخابية، وقامت المعارضة بقيادة ريكاردو لاغوس بنشر إعلانات تحرض الناس على رفض الديكتاتور، فوجد بينوتشي نفسه مطالبا بالإجابة عن أسئلة تتعلق بالذين قتلوا وعذبوا واختفوا. في هذا الاستفتاء العام رفض الشعب بينوتشي بنسبة ./.55 مقابل ./.42 لصالحه[13]، وهذا ما فرض عليه الرحيل عن السلطة، وفي العام الموالي نظمت انتخابات رئاسية عامة فاز بها باتريسيو أيلوين. لكن رغم ترك بينوتشي للسلطة احتفظ بمنصب قائد الجيش كما نص على ذلك دستور 1980 الذي عدل إبان فترة حكمه، وكذا استمرار الجيش وتأثيره السياسي الأمر الذي لوحظ بشكل واضح من خلال احتفاظ الحرس القديم بمصالحه الاقتصادية والاجتماعية، وحضوره القوي في الخريطة السياسية للبلد، كذلك بقي بينوتشي عضو ا في مجلس الشيوخ على غرار الرؤساء السابقين للشيلي، وهذا ما مكنه من الاستفادة من الحصانة البرلمانية التي تجعله في منأى عن أي محاكمة أو متابعة، في ظل هذه المعطيات لم يكن من الممكن تحريك الملف داخل الشيلي، لكن اعتقاله في لندن بالمملكة المتحدة جعلت الحصانة تسقط عنه.
بعدما استقال بينوتشي من الجيش سنة 1998، وسفره الى بريطانيا من أجل العلاج ، لم يكن يعلم أن متاعبه ستبدأ من هناك بسبب مذكرة اعتقال أصدرها القاضي الإسباني كارسون بالتزار بتهمه ارتكابه لجرائم ضد إسبانيين مقيمين في الشيلي وضد شعب الشيلي، تنوعت بين القتل والتعذيب والاختفاء والإعدامات، باعتبارها جرائم ضد الانسانية.
فالقاضي كارسون بالتزار عرف بنزاهته وشجاعته، واشتهر في إسبانيا بمتابعته لقضايا عديدة وشائكة منها الحركة المناهضة للباسك، والتي كان يديرها بعض مسؤولي الشرطة، والمعروفة ب “الجال”، أو بمنع جريدة الحركة الانفصالية ” إيتا “، أو بمتابعة وزير الداخلية في الحكومة الاشتراكية السابقة (قبل 1998).
لقد ارتكز القاضي “كارسون بالتزار” و زميله “مانويل كارسيا كارتيسون” في مطالبتهما لتسليم الديكتاتور بينوتشي قصد محاكمته، انطلاقا من مجموعة من المعطيات المتراكمة لديهما منذ بداية التحقيق سنة 1996 في شكاوي رفعتها مجموعة من الجمعيات الإسبانية والشيلية ضد انتهاكات حقوق الانسان في عهد الرئيس السابق بينوتشي، ويتعلق الأمر باختفاء أكثر من 80 إسبانيا، من بينهم ديبلوماسي تم اغتياله سنة 1976، إضافة التحقيق مع شبكة كان يقودها البوليس السري والتي تضم أجهزة للشرطة في مجموعة من دول أمريكا الجنوبية (البرازيل، الأرجنتين، البارغواي …) كانت مهمتها تصفية المعارضين السياسيين خارج هذه الدول.[14]وقد اعتبر القاضي أن الجرائم التي ارتكبها الديكتاتور ضد الإنسانية يمكن أن يحاكم عليها في أي دولة في العالم خارج بلده، لذلك بقي رهن الإقامة الإجبارية في لندن. وقد وجه القاضي “بالتزار كارسون” لبينوتشي ثلاث تهم ثقيلة هي ارتكاب جريمة الإبادة ضد شعبه، وممارسة الإرهاب في حق كل معارضيه، ثم التحريض على التعذيب.
لكن دولة الشيلي اعتبرت أن إجراءات المتابعة المتخذة من طرف القضاء الإسباني ضد الجنرال “بينوتشيه” تدخلا في شؤونها الداخلية، حيث رأت أنه اذا كان الأمر يستوجب محاكمة هذا الجنرال لارتكابه الجرائم الدولية، فإن ذلك من اختصاص محاكمها الجزائية الداخلية، وليس من اختصاص أي محكمة أجنبية، كون الأمر يتعلق بجرائم مرتكبة ضد الحقوق الأساسية للإنسان في الشيلي، وبالتالي تكون المحاكم الشيلية صاحبة الاختصاص في محاكمته.[15] ومن هنا يتبين لنا أن الحصانة الشخصية للرؤساء وغيرهم من أصحاب المناصب الرفيعة في دولهم لهم حصانة مطلقة أمام القضاء، ولا يوجد استثناء في العرف الدولي حتى في حالة اقتراف الجرائم الجسيمة.[16] وهذا يضرب في العمق مبدأ عدم الإفلات من العقاب الذي يعتبر أحد أهم آليات منظومة العدالة الجنائية الدولية.
لكن وبحكم “اتفاقية مناهضة التعذيب” المصادق عليها من طرف الشيلي وبريطانيا، ألحت بريطانيا على إسقاط الحصانة الرئاسية عليه، وأصدر القضاء حكما بتسليمه للقضاء الاسباني، لكن مرضه وفقدانه للأهلية العقلية عجلت بالإفراج عليه والعودة لوطنه في مارس من سنة 2000.
وبالرغم من ذلك لم يتوانى الضحايا ومحاموهم في رفع الشكاوى ضد بينوتشيه والمطالبة بإسقاط الحصانة عنه، من أجل التمكن من محاكمته عن الجرائم التي اقترفها إبان حكمه الدموي، وقد استطاعت المطالب المتزايدة من طرف الضحايا برفع الحصانة عليه والموجهة للحكومة الشيلية، الى مراجعة القوانين الداخلية الخاصة بالعفو الجنائي و إعادة تفسيرها لتتماشى مع القوانين الدولية الخاصة بالتهم الجنائية التي لا تسقط بالتقادم، وهو ما أدى الى رفع الحصانة عليه سنة 2004. ليبدأ التحقيق معه بتهم ثقيلة لكن الموت كان رحيما به ليفارق الحياة سنة 2006[17]، في حين تمت محاكمة عناصر من الجيش الذين قدموا اعترافات رسمية بمسؤوليتهم عن الجرائم الدموية التي ارتكبت في حق الإنسانية بالشيلي .
وهكذا انتصر النضال الجماهيري على الديكتاتورية، وانضمت الشيلي لخارطة الدول الديمقراطية بأمريكا اللاتينية بجانب البرازيل والأرجنتين، أما صفحة الديكتاتور طويت بعد توقيفه في بريطانيا بناء على مذكرة إتهام اسبانية، وقد استعدت المحكمة العليا في الشيلي لمحاكمته بالفعل، إلا أن جهودا بذلت لتعطيل هذه المحاكمة حتى وفاته دجنبر 2006[18].
وقد شكل فوز الرئيس باتريسيو أيلوين في الانتخابات الرئاسية بالشيلي بداية مرحلة جديدة، مرحلة المصالحة والانتقال الديمقراطي ومداواة جراحات الماضي الأليم التي ارتكبها الديكتاتور بينوتشي، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال اختيارات مؤسساتية، حيث أمر بتشكيل “لجنة الحقيقة والمصالحة” سنة 1990، للبت في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الفترة التي حكم فيها الديكتاتور العسكري بهدف تطبيق العدالة الانتقالية.
إن تطبيق سياسات العدالة الانتقالية لا تجلب بالضرورة المصالحة الوطنية، ولكن يمكنها أن تقدم خارطة طريق لبناء مستقبل أفضل، وفق ذلك فإن إيقاع عملية العدالة الانتقالية يختلف من دولة لأخرى، ويعتمد كثيرا على الظروف الخاصة بكل بلد، حيث يمكن أن تختلف نقط البداية اختلافا جذريا. ففي اليونان والعراق والأرجنتين مثلا كانت أحكام الإعدام نقطة البداية، ولكن الشيلي والبيرو وجنوب أفريقيا تم البدء بالمصارحة بالحقيقة، والهدف الأساسي كان هو معالجة قضايا المساءلة والحقيقة والإصلاح والتعويضات.[19]
كما أن العدالة الانتقالية هي عملية سياسية في الأساس، ترتكز على تظافر جهود الساسة وناشطي حقوق الإنسان والمجتمع المدني، فضلا عن مساعدة المنظمات الحكومية والجماعات الدولية، وصارت لها مرتكزات معروفة تتأسس على الحق في معرفة الحقيقة عبر تأسيس لجان الحقيقة، وتحقيق العدالة للضحايا والتعويض الفردي والجماعي، وإصلاح مؤسسات الدولة التي غالبا ما ترتبط بها الشبهات أثناء الانتهاكات وذلك ضمانا لعد م تكرارها مستقبلا[20].
الصورة رقم 2 : للرؤساء الذين تعاقبوا على حكم الشيلي في الفترة من 03 نونبر 1973 الى 11 مارس 1994.
سلفادور أليندي غوسينز، رئيس الشيلي 29 المنتخب من 3/ 11/1970 الى 11/9/1973 | أغوستو بينوتشي الرئيس 30 للشيلي بعد انقلاب عسكري من 11/9/1973 الى 11/3/1990 | أيلوين باتريسيو رئيس منتخب 31 للشيلي من 11/3/1990 الى 11/3/1994 |
وتحقيق العدالة الانتقالية لا يمكن أن يكون إلا من داخل لجان قانونية رسمية، تساهم في الكشف عن حقائق الماضي الأليم والحقوق المنتهكة في مرحلة الصراع السياسي، على اعتبار أن كل القوانين والاتفاقيات الدولية تؤكد على حق الأفراد في معرفة الحقيقة والحصول على كل المعلومات حول الانتهاكات التي وقعت في الماضي، حيث تعمل هذه اللجان بالاتصال بالضحايا لفهم ما وقع في الفترة التاريخية المعنية بالدراسة، لمعرفة سياقاتها في أفق تقديم الحقائق والكشف عنها وايصال صوت معاناة الضحايا الذي ظل لزمن طويل خافتا ومختفيا عن العموم.
إن لجنة الحقيقة والمصالحة التي دعا رئيس الشيلي الى تشكيلها لم تمنح لها أية صلاحية للمحاكمة أو إدانة أحد، وهذا ما جعل اختصاصاتها مقيدة. فبمجرد الحديث عن الحقيقة والمصالحة يوحي على أنها لن تنصف الضحايا مادام عدم الإفلات من العقاب مغيبا في صلاحياتها. ومادام هناك إقرار بوجود ضحايا وانتهاكات، يطرح السؤال حول من ارتكبها، ووجود الضحايا يستلزم وجود آلية لمحاسبة من ارتكب هذه الانتهاكات، بعد ذلك يمكن الانتقال الى المصالحة، وهذا الحق لا يملكه إلا من تعرضوا لويلاتها من طرف من لازالوا مجهولي الهوية، ولم يتم الكشف عن تفاصيل الجرائم المرتكبة، وهذا يستفز الضحايا الذين يأملون في عدالة منصفة لقضاء دولتهم بعد رفض القضاء الدولي بدعوى الحفاظ على السيادة والكرامة الوطنية. فالحديث عن الحقيقة والمصالحة يعني بالضرورة إعطاء الأسبقية للحقيقة.[21]
إدن فتحقيق المصالحة الوطنية تعد أحد أهم ركائز العدالة الانتقالية، بعد أي تغيير يحدث في نظام الحكم بالبلد، وتعني في أبسط معانيها عملية للتوافق الوطني على أساسها تنشأ علاقة بين الأطراف السياسية والمجتمعية قائمة على التسامح وإزالة أثار صراعات الماضي ومخلفاته من خلال آليات محددة، ووفق مجموعة من الإجراءات التي وضعتها المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان والتي تم اختزالها في أربعة مداخل أساسية وهي : تقصي الحقائق، الدعاوي القضائية، التعويضات وإصلاح مؤسسات الدولة.[22]
2 – لجنة الحقيقة والمصالحة بالشيلي
تعتبر الرغبة في العيش المشترك داخل الدولة الديمقراطية وبمؤسسات دستورية تحكمها قوانين، أفضل من النزعة في الانتقام من ماضي عرف انتهاكات خطيرة مست حقوق الإنسان، وهذا ما سارت عليه كل الدول التي سلكت نهج العدالة الانتقالية للتصالح بين الدولة ومواطنيها، ضمن واقع جديد يتعايش فيه الجميع، مما شجع الدول على خلق لجان تختص بالكشف عن هذا الماضي المنتهك حقوقيا، وتعتبر دول أمريكا اللاتينية المبادرة في تشكيل هذه اللجن التي اتخذت أسماء عديدة مثل لجان الحقيقة، أو لجان الحقيقة والمصالحة، أو الانصاف والمصالحة وغيرها من التسميات.
ويعتبر إنشاء لجن الحقيقة تحديا كبيرا، لأن من شأنها أن تعمل على إنشاء أجهزة تحقيق قوية لكشف كل الحقائق المتعلقة بالعنف الذي ترتكبه جهات تابعة للدولة أو جهات غير تابعة لها. والتي كثيرا ما تتعرض للإنكار أو الإخفاء أو سوء الفهم، ولذلك يعد التعلم من دروس الماضي درسا بالغ الأهمية، وكما يقول الكاتب الأمريكي فوكنر” الماضي ليس ماضيا أبدا، إنه يعيش معنا“. فلابد من التعلم من الماضي من أجل إحداث التغيير اللازم لمنع وقوع الانتهاكات في المستقبل، والاعتراف بالضحايا وما كابدوه من المحن [23].
فالكشف عن الحقيقة يبقى من أولويات اللجن التي يعهد لها بهذه المهمة قصد تحقيق المصالحة المجتمعية، لأن في غيابها لا يمكن تحقيق العدالة الانتقالية التي تصبو لها المجتمعات الدولية التي خرجت من وضع الحروب والصراعات السياسية الى وضع التعايش والانتقال الديمقراطي وتحقيق دولة الكرامة والعدالة الاجتماعية، وفي تفسير بحث الانسان عن الحقيقة يقول الفيلسوف هيجل ” …. وسوف يظل البحث عن الحقيقة يوقظ حماسة الانسان ونشاطه ما بقي فيه عرق ينبض وروح تشعر”.
لقد كان الحق في معرفة الحقيقة بشأن الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان والانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني موضع اعتراف تدريجي في الصكوك الدولية، كما في التشريعات الوطنية وفي السوابق القضائية الداخلية والدولية. والحق في معرفة الحقيقة وثيق الصلة بحقوق أخرى من حقوق الإنسان، ولا سيما الحق في الوصول الى العدالة والحق في اللجوء الى سبيل انتصاف فعال والحق في الجبر والحق في الوصول على معلومات موضوعية[24] .
وتعتبر الشيلي من الدول التي سعت الى تحقيق العدالة الانتقالية من خلال الكشف عن الحقيقة لتحقيق المصالحة الوطنية، إذ دعا رئيس الدولة المنتخب أيلوين باتريسيو الذي أعقب حكم الديكتاتورية، وبمقتضى مرسوم رئاسي صدر في 25 أبريل 1990 الى تشكيل لجنة رسمية للتحقيق في الماضي الأليم الذي عانى منه شعب الشيلي إبان حكم بينوتشي، والكشف عن الحقيقة التي انتظرها الشعب خاصة الضحايا وأسرهم، على اعتبار أن معرفة الحقيقة تساهم في تحقيق المصالحة للوصول إلى تحقيق العدالة. وأطلق على هذه اللجنة اسم ” لجنة الحقيقة والمصالحة ” عهد لها أمر التحقيق في الفترة التاريخية الممتدة من 11 شتنبر سنة 1973 الى 11 مارس سنة 1990، خاصة حالة الاختفاء والاعتداء خارج نطاق القانون والتعذيب والوفيات المرتبطة بهذه الانتهاكات والناتجة عن ممارسات ارتكبت بمبررات سياسية.
وتتكون لجنة الحقيقة والمصالحة حسب المادة الثالثة من مرسوم 335 الخاص بإنشاء هذه اللجنة من ثمانية أعضاء بانتماءات وتوجهات مختلفة، من الرئيس ” راؤول ريتيج جيسين ” الذي كانت له مسؤوليات دبلوماسية- سفير- في عهد حكم سلفادور أليندي ومحاميا وهو أكبرهم سنا، ومنهم من عانى النفي والاعتقال في عهد الحكم العسكري “خوسيه زالاكيت ضاهر” وهو حقوقي، كان أصغرهم سنا، ويعتبر اليوم من اشهر الخبراء في مجال العدالة الانتقالية في العالم، وآخرون تحملوا مسؤوليات مختلفة هم: خايمي كاستيو فيلاسكو، خوسيه لويس سييا إغانيا، مونيكا خيمينيز، لورا نوفوا فاسكيز، خوسيه زالاكيت ضاهر، يكاردو مارتن دياز، غونزالو فيال كوريا. وعلى مستوى الجنس نجد امرأتين في اللجنة هما “مونيكا خيمينيز” و ” لورا نوفوا فاسكيز” مقابل ستة رجال.
الصورة رقم 3 :أعضاء لجنة الحقيقة والمصالحة التي دعا الرئيس السابق للشيلي باتريسيو أيلوين الى تشكيلها للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان إبان حكم الديكتاتورية العسكرية في الفترة مابين 11 شتنبر 1973 و 11 مارس 1990.
راؤول ريتيج | خايمي كاستيو فيلاسكو | خوسيه لويس سييا إغانيا | مونيكا خيمينيز |
لورا نوفوا فاسكيز | خوسيه زالاكيت ضاهر | ريكاردو مارتن دياز | غونزالو فيال كوريا |
وقد أعطيت أوامر للجنة الحقيقة والمصالحة في التحقيق بخصوص حالات القتل التي تجاوز عددها الألفين قتيل في عهد الحكم العسكري، إضافة لحالات الاختفاء والمهجرين.
وتم تحديد أهداف معينة تعمل عليها اللجنة والتي يمكن اختزالها في النقط التالية:
- رصد قدر الإمكان الانتهاكات الخطيرة التي مست حقوق الانسان.
- جمع كل الأدلة التي ستساعد على وضع قائمة بأسماء الضحايا ومصيرهم ومكان تواجدهم.
- توصية بالتعويضات لعائلات الضحايا.
- توصية باتخاذ التدابير القانونية والإدارية التي تسمح بعدم تكرار مثل هذه الانتهاكات في المستقبل[25].
كما أن المادة الرابعة من المرسوم المؤسس حددت المهام المسندة لها، حيث عملت على :
- تلقي الأدلة المقدمة لها من الضحايا المزعومين، أو ممثليهم أو الأقارب خلال الفترة الزمنية المحددة لها.
- جمع وتثمين المعلومات من منظمات حقوق الانسان الشيلية والدولية، حكومية أو غير حكومية، سواء بمبادراتها أو عند تلقيها طلب في نطاق اختصاصاتها.
- القيام بأكبر قدر من التحقيق لأنه قد يحدد ما هو مناسب لإنجاز مهمتها بما في ذلك طلب التقارير والمستندات أو الأدلة من الحكومة والسلطات.
- إعداد تقرير على أساس الأدلة التي تم جمعها كتعبير عن استنتاجات اللجنة في توافق مع صدق ضميرها وضمير أعضاء اللجنة.
- تحل اللجنة تلقائيا من نفسها بعد تقديم تقريرها الى الرئيس الذي سيقوم بدوره بعرضه على الشعب، واعتماد القرارات والمبادرات التي سيعتبرها مناسبة، وبذلك تنتهي مهمة اللجنة[26].
لقد اشتغلت اللجنة لمدة تسعة أشهر وأصدرت تقريرها الذي أصبح مشهورا كأول تقرير عن على حالات الاختفاء القسري تصدره لجنة تحقيق وطنية، ورغم اعتباره شهادة رئيسية عن حجم الانتهاكات ووثيقة تاريخية، فان النتائج الأولية التي توصلت إليها ظلت موضوع تحفظ خاصة من جهة الضحايا وعائلاتهم، خاصة وأن السعي الدائم وراء محاكمة الجناة ظل يطبع التجربة الشيلية، الذي اعتبرته يقدم حقيقة جزئية ولا يرقى الى مستوى رغبتهم في معرفة ملابسات الانتهاكات بخصوص مبدأ تعويض الضحايا وأسرهم، وقد اقترحت لجنة الحقيقة والمصالحة ثلاثة أنواع للتعويضات ضمن التوصيات الصادرة عنها وهي[27]:
- تعويضات رمزية تستهدف رد الاعتبار.
- تعويضات ذات طبيعة قانونية وادارية لحل القضايا المرتبطة بالوفاة ( إرث، نيابة قانونية عن القاصرين أبناء الضحايا ).
- تعويضات المساعدة والتأهيل الاجتماعي والرعايتين الصحية والتعليمية.
كما أن اللجنة لم تقف عند هذا الحد بل واصلت أعمالها للتحقيق في الانتهاكات والعمل على تطوير معايير تعويض الضحايا، وهذا ما فرض إصدار قانون ثاني بموجبه تم إنشاء هيئة وطنية أطلق عليها اسم” المؤسسة الوطنية لجبر الضرر”، ركزت مهامها حسب قانون تشكيلها على ما يلي:
- تنسيق وتفعيل التوصيات الصادرة عن اللجنة الوطنية للحقيقة والمصالحة.
- تحديد أماكن اختفاء الأشخاص المختطفين والذين لم يتم العثور على جثتهم.
- التحقيق في حالات الأشخاص الذين لم تستطيع اللجنة الوطنية للحقيقة والمصالحة القطع في أوضاعهم ومن ثم معالجتها.
فالتقرير الرسمي للجنة الحقيقة والمصالحة تمحور في عمله حول هدفين أساسيين هما الحقيقة أولا ثم المصالحة ثانيا، وعملها كان هو التوصل الى فهم شامل لحقيقة ماذا حدث في تلك الفترة، لأنه كان من الضروري القيام بذلك للكشف عن الحقيقة لتحقيق المصالحة بين الشيليين.
وقد توصلت اللجنة من خلال تقريرها العام المقدم الى السلطات الحكومية الى تحديد 2279 ضحية، مقسمة بين ضحايا حقوق الانسان 2115 ضحية و164 ضحية العنف السياسي، وتم تسجيل 641 حالة ضمن الحالات العالقة، و استبعاد 508 حالة لا تتناسب مع التفويض الذي من أجله أنشئت اللجنة. والشكل التالي يوضح لنا القرارات النهائية التي أقرتها اللجنة.
الشكل رقم 1 : يوضح قرارات لجنة الحقيقة والمصالحة فيما يخص الضحايا.
وفيما يخض ضحايا القتل فقد تم الوقوف على حالة 59 قتيلا ( 2.8./.) خلال الحرب، و 93 قتيلا( 4.4./) أثناء الاحتجاجات و 101 قتيلا ( 4.8./.) أثناء مغادرة البلاد، وحالات قتل أخرى وصل عددها الى 815 قتيل (38.5./.) أي المجموع 1068 قتيلا بنسبة (50./.)، أما حالات الاختفاء القسري فوصلت حسب تقرير اللجنة الى 957 حالة بنسبة ( 45.2./.) وحالات قتل لأشخاص كانوا مختفون وصلت إلى 90 حالة بنسبة ( 4.3./.) أي ما مجموعه 1047 حالة قتل بنسبة 50./. بسبب الاختفاء القسري، وإذا ما أضفنا ضحايا القتل الناتج عن الاختفاء القسري والحالات الأولى سنحصل على ما مجموعه 2115 قتيلا كما أكدته اللجنة بنسبة مئوية (٪100 ).
كما اعتبرت اللجنة أن العديد من حالات القتل يمكن تصنيفها في خانة الأعمال الإرهابية بسبب وضع متفجرات في أماكن عمومية، أو القيام بهجومات عشوائية على المواطنين. فطرق القتل كانت عديدة ومتنوعة، منها استخدام القوة غير المبررة للقتل، إساءة استخدام السلطة التي يمكن أن تؤدي الى الموت، التعذيب المؤدي الى القتل، كما أن هناك حالات أخرى من قبيل الهجمات على الحياة الخاصة للمواطنين .
كما سجلت عمليات قتل كثيرة بسبب دوافع سياسية أو باعتناق أفكار سياسية والذي استهدف قادة الأحزاب السياسية والنقابات وطلاب الجامعات والمدارس الثانوية ثم منظمات الأحياء.. وكل هؤلاء كانوا أعضاء في أحزاب سياسية أو متعاطفين مع سلفادور أليندي الذي كان يتبنى الأفكار الاشتراكية.
الشكل رقم 2 : يوضح الضحايا حسب الانتماءات السياسية
إن قراءة أولية للمبيان الخاص بالضحايا حسب الانتماءات السياسية يظهر أن النظام الديكتاتوري لبينوتشي أستهدف غالبية الأحزاب السياسية، وهذا فيه رسالة موجهة للحياة المدنية السياسية تقول أن هناك قوة واحدة لا علو فوقها وهي المؤسسة العسكرية، كما يمكن تسجيل ملاحظة ثانية هي أن أكثر الأحزاب استهدافا هي تلك التي تحمل الأيديولوجية الاشتراكية، وهذا كان يشكل للديكتاتور تهديدا لنظامه في الوقت التي كانت أمريكا اللاتينية تعرف انتشارا للمد الاشتراكي في إطار الصراع الثنائي بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، وهو تحد كبير للولايات المتحدة الأمريكية داخل قلعتها. فالإحصائيات تشير الى أن أكبر عدد الضحايا تم تسجيلهم في ثلاث أحزاب هي الجزب الاشتراكي ب450 قتيلا، وحزب اليسار الثوري ب384 قتيلا، والحزب الشيوعي ب 353 قتيلا. وهناك عدد كبير من ضحايا القتل مجهولي الإنتماء السياسي.
أما الضحايا حسب الحالة العائلية فقد تم تسجيل 960 ضحية بدون زواج بنسبة مئوية ٪42.1، والمتزوجون 1172 ضحية بنسبة مئوية ٪ 51.5، والأرامل 12 ضحية بنسبة مئوية ٪0.5، وضحايا غير محددة هويتهم 135 بنسبة مئوية ٪5.9 .
وحسب السن فقد وقف التقرير على أن أكبر فئة عمرية تم استهدافها هي المتراوحة سنها بين 21 سنة و40 سنة بما مجموع 1356 ضحية بنسبة مئوية وصلت الى ٪67.4 ، وحتى الأطفال لم يسلموا من ديكتاتورية النظام العسكري حيث وصل عدد ضحاياهم الى 318 ضحية بنسبة مئوية وصلت الى ٪13.9، إضافة الى الشيوخ الدين فاق سنهم 75 سنة، وهناك حالات سجلت غير معروف سنها.
ومن حيث الضحايا حسب الجنسيات فقد سجلت اللجنة في تقريرها ما يقارب عشرون جنسية (20 جنسية) تم قتل ضحاياها فوق الأراضي الشيلية إبان حكم الديكتاتورية العسكرية، فاذا كانت الشيلي لوحدها سجلت 2228 حالة بما مجموعه ٪97.76، فالباقي موزع خاصة بين دول اسبانيا والأرجنتين والإكوادور والأورغواي وأمريكا الشمالية والبرازيل وبوليفيا وفنزويلا…
وحسب الجنس فتم تحديد الضحايا بصفة عامة في الذكور ب 2153 بنسبة مئوية ٪94.5 والإناث ب 126حالة بنسبة مئوية ٪5.5. أي أن مجموع عدد الضحايا كما أقرت بذلك لجنة الحقيقة والمصالحة هو 2279 ضحية، والشكل التالي يوضح لنا إحصائيات الضحايا حسب الجنس.
الشكل رقم 3 : للضحايا حسب الجنس بالشيلي سنوات النظام العسكري
هذه كانت خلاصات لجنة الحقيقة والمصالحة حول ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقو ق الانسان بالشيلي في الفترة التي حددت لها من 11/09/1973 الى 11/03/1990 إبان الحكم العسكري المطلق، من أجل دراستها وإنجاز تقرير حولها، بهدف للكشف عن الحقيقة، على اعتبار أن الحقيقة تجلب قدرا من التطهر الروحي الإنساني للفرد وللمجتمع، وتشكل عنصر ردع وتصدي للانتهاكات، ويمكن ترجمة هذه الحقيقة من خلال عدة صيغ أهمها الإدلاء بالشهادات، والهدف منها رد الاعتبار الى الضحايا والمساهمة في تعزيز العدالة الانتقالية والعمل على توفير مرتكزات المصالحة الوطنية للانتقال الى مرحلة الدولة الديمقراطية بمؤسسات دستورية.
لكن فيما يخص حالات الاختفاء القسري، فالشيلي لم تعترف رسميا إلا ب 3179 حالة اختفاء قسري، ضمت إحصائيات “لجنة الحقيقة والمصالحة” وكذا إحصائيات “المؤسسة الوطنية للجبر والمصالحة”، هذه الأخيرة التي أقرت ب 123 حالة اختفاء قسري و 776حالة اعتبرتها إعدام خارج القانون. وفي شأن التعويض دعت الهيئة الوطنية للجبر والمصالحة الى إحداث معاش تعويض على شكل منحة شهرية تقدم لأقرباء الضحايا ( الزوجة، الأم، الأبناء دون الخامسة والعشرون من عمرهم او المعاقون).[28]
وتسعى برامج جبر الأضرار الى توفير سبل الانتصاف عن الانتهاكات المنهجية لحقوق الانسان عن طريق تقديم مجموعة من المزايا المادية والرمزية للضحايا. ويمكن لسبل جبر الأضرار أن تتضمن التعويض النقدي، أو الخدمات الطبية والنفسية، أو خدمات الرعاية الصحية، أو الدعم التعليمي، أو إعادة الأملاك لأصحابها أو تعويضهم عن فقدانها، الى جانب الاعتذارات الرسمية العلنية وغيرها من أشكال جبر الأضرار[29]. كما أنه ينبغي أن يكفل لضحايا تلك الانتهاكات حسب الاقتضاء وبما يتناسب مع جسامة الانتهاك وظروف كل حالة، الجبر التام والفعال وفق ما تنص المبادئ من 19 الى 23 لمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، وخصوصا في شكل رد الحق والتعويض وإعادة التأهيل وعدم التكرار[30].
وتعتبر الشيلي بجانب الأرجنتين من أنجح التجارب فيما يخص من نفذ برامج جبر الضرر انطلاقا من تدابير شاملة، فبجانب التعويض المالي تم التركيز على نظام الرعاية الصحية للناجين من جحيم التعذيب و أسرهم، حيث استطاعت التعويضات المقدمة بسخاء أن تحسن حياة الضحايا وتعالج البعض منهم من أثار تلك الانتهاكات المرتكبة في حقهم.
لقد استثمرت الشيلي نحو 3.2 مليار دولار أمريكي في التعويضات وشملت ما يقارب 2253 ضحية من ضحايا الاختفاء القسري والقتل، و38.245 ضحية من ضحايا السجن السياسي والتعذيب وعدد كبير من ضحايا الفصل السياسي من الخدمة المدنية أو الشركات العامة.[31] فجبر الضرر هو إقرار بالمسؤولية وبالتالي يشكل أحد آليات العدالة الانتقالية التي تطمح الشيلي الى تحقيقها من خلال المصالحة بين الدولة والمجتمع.
ولتزكية مبدأ التعويضات أصدر الرئيس “أيلوين باتريسيو” قانون رقم19/123 حدد من خلاله المساعدات التي أقرتها مؤسسة التعويضات والمصالحة وقسمت على الوجه التالي:
- ٪40 من الراتب ( 215 دولار) للأزواج.
- ٪30 أي 161 دولار لوالدة الضحية أو للوالد في حالة غيابها.
- ٪15 أي 80 دولارا لكل من أبناء الضحية حتى بلوغهم سن الخامسة والعشرين أو مدى الحياة إن كانوا معاقين.
- ٪15 أي 80 دولارا لوالد أو والدة أي من أبناء الضحية في إطار الزواج العرفي حتى بلوغ الأبناء سن الخامسة والعشرين أو مدى الحياة إن كانوا معاقين.
وتلقت الأسر أيضا مبلغا يصرف دفعة واحدة يوازي مقدار سنة من الراتب الشهري أي حوالي 6500 دولارا.[32] وهناك مساعدات أخرى قدمتها المؤسسة من قبيل المنح الدراسية من أجل متابعة الدراسة في مختلف الأسلاك التعليمية، وكذلك الرعاية الصحية من خلال تقديم كل الخدمات لفئات الضحايا خاصة المعتقلين السياسيين، إضافة الى تخصيص رواتب لفئة الفلاحين الذين تضرروا من وقف برنامج الإصلاح الزراعي، ورواتب ومخصصات التقاعد للذين فصلوا من عملهم بسبب أفكارهم السياسية وكذلك المنفيون الذين فرضت عليهم الديكتاتورية الإبعاد عن الوطن والأسرة.
لقد شكل التعويض الذي تم تطبيقه على ضوء التقرير قبولا ورضى من طرف مكونات المجتمع الشيلي، لكن هذا لوحده غير كافي لتحقيق العدالة الانتقالية بالبلد وتحقيق المصالحة الداخلية مادامت مجموعة من الملفات لازالت عالقة ولم تحسم فيها لجنة الحقيقة والمصالحة وبالتالي يجعل تقريرها محدودا.
في ختام تقرير لجنة الحقيقة والمصالحة، أكد الأعضاء أنه اذا كان التقرير حقق الهدف المركزي هو تحقيق المصالحة، فذاك يشكل فخرا وامتنانا لهم، انطلاقا من الأحداث التي وتقوها والأدلة التي تم جمعها والإدانات التي تم التوصل إليها، والتي ستمكن السلطات الحكومية من اتخاذ تدابير من قبيل الكشف عن الحقيقة وتحقيق العدالة والمصالحة بين كل الأسر والمجموعات التي عانت من الانتهاكات وكانت لها آثار على نفسيتهم، وهذا يفرض تقديم المسؤولين عن هذه الجرائم للمحاكمة، حيث سيجعل الأسر والضحايا يشعرون بالرضا وباستعادة كرامتهم، لأن فلسفة العدالة الانتقالية في حد ذاتها ترتكز على الالتزام بمبادئ الديمقراطية بعد المصالحة، والقيام بدور فعال في بناء مؤسسات حكم جديدة في إطار لا يسمح بالإفلات من العقاب.
وفي حوار مع أحد أعضاء لجنة الحقيقة والمصالحة “جوزي زالاكيت” أكد أن وضعية الشيلي بعد هذه السنوات قد حققت أهدافا هامة بشكل يرضي الغالبية، إن الحقيقة في الشيلي ليست موضوع شك، بل هناك خلاف حول الأسباب التي أدت الى ما حصل لكن ليس حول ما حصل في حد ذاته. وأنه ليست هناك حلول كاملة، بل هناك حلول أفضل وحلول أسوء من غيرها، ومادامت العملية هي مجهود بشري ومجهود سياسي، فالمثالية المرجوة شيء بينما المنجزات أمر نسبي.[33]
لقد اعتبرت التجربة الشيلية في مجال العدالة الانتقالية تجربة رائدة بجانب الأرجنتين في أمريكا اللاتينية، وشكلت أرضية خصبة للاقتداء بها، كونها استطاعت مواكبة الانتقال الديمقراطي وجنبت البلاد المواجهات وتكرار الماضي الأليم، بمعاناته ومآسيه التي شكلت وصمة عار في التاريخ السياسي للشيلي، وهي إضافة نوعية لتجارب العدالة الانتقالية الرائدة في العالم. ويجمع الكل على أن نجاح التجارب يعود لخاصية تجمع بينهما وتميزهما، تتمثل في كون الأنظمة السياسية التي كانت حاكمة ومسؤولة عن الماضي الدموي للانتهاكات، لم تبق لها سلطة ولا قرار سياسي في مرحلة تطبيق العدالة الانتقالية، بمعنى القطع مع النظام السياسي القديم، فأتباع بينوتشي المسؤول عن الجرائم السياسية بالبلد لم تعد لهم أية سلطة في المرحلة الجديدة، عكس التجارب الفاشلة التي طبقت العدالة الانتقالية في ظل النظام السياسي الذي كان مسؤولا عن الانتهاكات الماسة بحقوق الانسان، واستمر هو نفسه لما بعد تطبيق العدالة الانتقالية وهذا حال الدول العربية، لذلك يجب القطع مع الأنظمة السياسية المسؤولة عن الجرائم السياسية كشرط أساسي لنجاح تجربة العدالة الانتقالية.
الخاتمة:
شكلت العدالة الانتقالية محطة أساسية وفاعلة في تاريخ الدول التي عرفت انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان، وتعني الكشف عن حقيقة هذا الماضي الأليم وتحديد المسؤوليات باعتبارهما مرتكزات المصالحة الوطنية وطي صفحة الماضي.
وتعتبر تجربة العدالة الانتقالية في أمريكا اللاتينية رغم حداثتها ثورة على عهد من التاريخ الاستبدادي والعسكري الذي حكم البلدان بالحديد والنار، وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية ومؤسساتها المالية، لكن يبقى لكل دولة تجربتها الخاصة في البحث عن آليات مواجهة هذا الماضي الأليم المثقل بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، والعمل على كيفية تصريف تجربتها، والأهداف تبقى مفتوحة حسب الخصوصية، حيث نجد تجارب من خلال لجان الحقيقة أضافت تدابير أخرى كتخليد الذكرى و إنشاء متاحف في أماكن التعذيب، وأخرى أقامت نصب تذكاري… وكلها تبقى مبادرات رمزية، إضافة الى تسميات الأماكن العامة بكل ماله ارتباط بالعدالة الانتقالية.
إن نجاح تجربة الشيلي في مجال العدالة الانتقالية شكل منطلقا للانتقال الديمقراطي، ساهم في ذلك وجود مجتمع مدني نشيط وجمعيات تخص الضحايا وأسرهم، خاضت أشكال نضالية من أجل تحقيق العدالة، ثم كذلك الحكومة التي أدركت أنه لا سبيل للانتقال الديمقراطي دون القطع مع ماضي الانتهاكات التي تسببت فيها الديكتاتورية العسكرية، واقتناعها بأن العدالة الانتقالية يجب أن لا تشكل ميدان للمنافسة السياسية. كما أن المجتمع والدولة كان لهم تحقيق هدف مشترك هو إنصاف الضحايا قدر المستطاع والمساهمة في الاستقرار السياسي والاقتصادي للبلد، فنجاح هذه التجربة هو انتصار لكافة مكونات المجتمع الشيلي رغم اقتناعهم بأن الحقيقة ليست دائما مطلقة.
إن أي انتقال من مرحلة لأخرى يبقى نسبي، على اعتبار أن كل تجربة لها خصوصيتها التي لا يمكن تعميمها على باقي الدول التي عانت من الإنتهاكات رغم وحدة المعايير، لكن يبقى الانتقال للمرحلة الجديدة هو انتصار للدولة التوافقية على اعتبار أن المصالحة والتوافق هي المدخل الأساسي للانتقال الديمقراطي، مما يقتضي التواصل المستمر بين الدولة والمجتمع وجعل المواطن يساهم في صنع القرار، حتى لا تتكرر مأساة الماضي.
الهوامش:
[1] – عبدالكريم عبداللاوي، تجربة العدالة الانتقالية في المغرب، مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان، أطروحات جامعية، السنة 2013، ص 17 .
[2] – هدير الانور، مقال منشور بتاريخ 13/09/2016 على الموقع الالكتروني : https://www.almrsal.com/post/383441
[3] – خريطة مأخوذة من الموقع الالكتروني : https://www.google.com/search?q=خريطة+دولة+الشيلي+السياسية&tbm
[4] – عبدالحي المودن، الحقيقة والمصالحة في امريكا اللاتينية، مقال منشور بتاريخ 6 مارس 2011، على الموقع التالي: http://ribatalkoutoub.com/?p=605
[5] – عمرو شيخ العرب، نهاية ديكتاتور…ديكتاتور افلت من حكم الشعب، آخر تحديث للمقال بالموقع هو: 07/06/2016، على الموقع التالي:
http://www.alwasat.com.kw/ArticleDetail.aspx?id=18404
[6] – مقال منشور على الموقع الالكتروني باسم الموقع: https://www.marefa.org/%D8%A3%D9%88%DA%AF8
[7] – معادي أسعد صوالحة، نشر في جريدة المساء يوم 07 – 09 – 2011، وعلى الموقع الالكتروني : https://www.maghress.com/almassae/140164
[8] – تجربة الشيلي في الكشف عن الحقيقة، شعبة القانون العام، مقال منشور بتاريخ 24/03/2010، على الموقع: http://www.blog.saeeed.com/2010/03/%D8%AA%D8%AC
[9] – هشام أبو زيد، قراءة في كتاب ” التجربة الشيلية من بينوشيه الى الديمقراطية”، منشورة على الموقع الالكتروني: https://www.aljazeera.net/knowledgegate/books/2016/1/15/
[10] – معادي أسعد صوالحة، مرجع سابق.
[11] – عمرو شيخ العرب، نهاية ديكتاتور- بينوتشيه ديكتاتور أفلت من حكم الشعب، مقال نشر بتاريخ 07/06/2016، على الموقع التالي: http://www.alwasat.com.kw/ArticleDetail.aspx?id=18404
[12] – الحسان بوقنطار، اعتقال بينوتشيه: بين حقوق الانسان واكراهات المصلحة. مقال منشور بتاريخ 27اكتوبر1998، على الموقع الالكتروني: https://www.albayan.ae/opinions/1998-10-27-1.1023478
[13] – أوكستو بينوشيه، مقال منشور على الموقع التالي: https://www.marefa.org/%D8%A3%D9%88%DA%AF%D9%88%D8%
[14] – الحسان بوقنطار، مرجع سابق.
[15] – ميلودي نصيرة، مبدأ عالمية القضاء الجنائي، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر في القانون، تخصص القانون الدولي لحقوق الانسان، السنة 2013، جامعة اكلي محند اولحاج- البويرة – كلية الحقوق والعلوم السياسية، ص 46.
[16] – ماهر أسامة ناصر مسعود، حصانة رؤساء الدول امام المحكمة الجنائية الدولية- دراسة تحليلية – رسالة ملحقة للحصول على درجة الماستر في القانون العام، كلية الحقوق جامعة الازهر، غزة، السنة 2016، ص 53.
[17] – القباقبي عبدالاله، المساءلة الجنائية في العدالة الانتقالية، إصدارات المركز الديمقراطي العربي، برلين – ألمانيا، 11 مارس 2018، ص 64، الموقع الالكتروني: https://democraticac.de/?p=52887
[18] – هيتم أبو زيد، التجربة الشيلية من بينوتشيه الى الديمقراطية، مقال منشور على الموقع التالي: https://www.aljazeera.net/knowledgegate/books/2016/1/15/%D8%A7%D9%
[19] – عبدالكريم عبداللاوي، تجربة العدالة الانتقالية في المغرب، سلسلة أطروحات جامعية، مركز القاهرة لراسة حقوق الانسان، القاهرة، السنة 2013، ص 9 و 10.
[20] – Céline Guilleu, Justice transitionnelle et transition démocratique dans les pays arabes : politique, histoire et mémoire, Published on Monday, September 17, 2018 by, p 11.
https://calenda.org/465509?formatage=print&lang=en
[21] – العدالة الانتقالية، مقال منشور على موقع المعرفة، https://www.marefa.org/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%A7%
[22] – الحقيقة مقابل العفو…عدالة ناقصة تؤسس لانتماء وطني جديد، مقال منشور بتاريخ 28 نونبر2016. . http://www.aleqt.com/2016/11/28/article_1105760.html
[23] – رضوان زيادة، العدالة الانتقالية كمدخل لإعادة تأسيس شرعية الدولة العربية، مقال منشور بتاريخ 18/12/ 2011 على الموقع الالكتروني:
http://www.scpss.org/libs/spaw/uploads/files/Arabic%20Content/Reports/12-18-2011
[24] -تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الانسان، تنفيذ قرار الجمعية العامة60/251 المؤرخ 15/03/2006،المعنون ” مجلس حقوق الانسان. مأخوذ من موقع الامم المتحدة،
https://undocs.org/ar/A/Res/60/251
[25]- United states Institute of peace, Report of the Chilean national commission on truth and reconciliation, https://www.usip.org/sites/default/files/resources/collections/truth_commissions/Chile90-Report/Chile90-Report.pdf
- صور أعضاء لجنة الحقيقة والمصالحة بالشيلي ماخوذة من مواقع الكترونية مختلفة.
[26] – United states Institute of peace, Report of the Chilean national commission on truth and reconciliation, https://www.usip.org/sites/default/files/resources/collections/truth_commissions/Chile90-Report/Chile90-
[27] – تجربة الشيلي في الكشف عن الحقيقة، موضوع منشور بتاريخ 20/03/2010 على الموقع الالكتروني: www.blog.saeeed.com
[28] -تجربة الشيلي في الكشف عن الحقيقة، مرجع سابق.
[29] – نهج الامم المتحدة في شأن العدالة الانتقالية، مذكرة توجيهية أعدها الأمين العام للأمم المتحدة، مارس 2010، ص 12 و 13. الموقع الالكتروني:
http://sl4c.org/ar/wp-content/uploads/2016/03/نهج-الأمم-المتحدة-في-العدالة-الانتقالية.pd
[30] -تقرير مفوضية الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان، مرجع سابق، ص 7.
[31] -تقرير البرامج للمركز الجولي للعدالة الانتقالية: جبر الضرر، منشور بتاريخ 27/05/2013، على الموقع الالكتروني التالي: https://www.ictj.org/ar/news/ictj-program-report-reparative-justice
[32] – بابلو دي جريف، جهود التعويضات من المنظور الدولي، مساهمة التعويضات في تحقيق العدالة غير الكاملة، المركز الدولي للعدالة الانتقالية، ص 15.
[33] – عبدالحي المودن، الحقيقة والمصالحة في امريكا اللاتينية، مقال منشور بتاريخ 6 مارس 2011، على الموقع التالي: http://ribatalkoutoub.com/?p=605
لقراءة المقال من مصدره الأصلي اضغط على الرابط التالي: