تسع ملاحظات في شأن التقرير السنوي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان

تسع ملاحظات في شأن التقرير السنوي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان

أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريره السنوي حول حقوق الإنسان بالمغرب لسنة 2023 المعنون ب: ” إرساء دعائم نظام وطني لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، يوم الأربعاء 02 يوليوز 2024 بشكل متأخر، إذا تم مقارنته بالتقارير  السنوية السابقة، فالتقرير السنوي للمجلس لم يتم إصداره أو الإعلان عن صدوره في فبراير 2024 ، كما تحمل صورة الغلاف بل تم الإعلان عنه وتقديمه يوم الأربعاء 02 يوليوز 2024 ونشر فيما بعد تقديمه على الموقع الالكتروني للمجلس، فهذه الملاحظة شكلية لا تنقص من أهمية التقرير وبنائه الهندسي ومضمونه، فالتقرير يتكون من 344 صفحة متضمنا 10 محاور أساسية وتوصيات عامة متوازنة من حيث المحاور. ولكن لابد أن نثير  عدة ملاحظات في شأن هذا التقرير وخصوصا المحور التاسع المتعلق بمتابعة تفعيل توصيات هيأة الانصاف والمصالحة  وما لها من أهمية في استكمال توصيات الهيأة من لدن لجنة متابعة تنفيذ توصياتها. وذلك من خلال الملاحظات التالية وهي على النحو التالي:

 

الملاحظة الأولى: أن المحور التاسع المخصص بمتابعة تفعيل توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة يتكون من 12 صفحة و متضمنا 04 نقط أساسية تتعلق بمهام مرتبطة باستكمال التحريات وتنفيذ برامج جبر الضرر الفردي وحفظ الذاكرة وأخيرا تثمين التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية. موضحا هذه النقط من خلال 33 فقرة تبتدئ من 839 إلى 871.

 

الملاحظة الثانية : تتجلى من حيث الشكل، إرادة من المجلس استعراض إنجازه في شأن متابعة تنفيذ توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة خلال بداية الولاية الحالية، مؤكدا في الفقرة (840)، “يتضمن هذا الجزء من التقرير ما تم إنجازه من مهام وبرامج مابين سنتي 2019 و2023…..” بعيدا عن سنوية التقرير نحن أمام تقييم الولاية الحالية من منجز حقوق الإنسان، ويقر التقرير في ذلك من خلال الفقرة (939) …مواصلة تتبع تفعيل ما تبقى من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وإعادة هيكلة لجنة متابعة تفعيل توصيات الهيئة، وإنشاء وحدة لدى رئاسة المجلس لحفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي وما ترتب عن ذلك من تأخر في إتمام تفعيل المهام والبرامج التي تهم التعويض….”، حيث يقر المجلس عن تقصير وتأخر تنفيذ المهام والبرامج وغيرها دون توضيح الأسباب التي ساهمت في ذلك. وهل الولاية الحالية للمجلس ساهمت إلى حد كبير في تنفيذ معظم توصيات الهيأة؟ وماهي الخطة الجديدة التي ستساهم في رفع من وتيرة تفعيل ما تبقى من التوصيات؟

 

الملاحظة الثالثة: تتجلى في اعتماد الخبرة العلمية والتطور التكنولوجي لتحديد هويات الرفات الذي أقره التقرير في الفقرة (842) على إمكانية استخراج الحمض النووي من عينات عظام متدهورة، ..وبهذا توجهت اللجنة إلى مقر المختبر الجيني الدولي بتاريخ 28 نونبر 2022 من أجل إخضاع عينتين (2) من مجموع العينات المتبقية لدى المختبر الدولي لعملية استخراج الحمض النووي”، وقد أكد المجلس على إيجابية النتائج الأولية المتوصل بها في يوليوز 2023، وذلك ما سمح للمجلس مواصلة استخراج الحمض النووي لباقي العينات المتبقية المشابهة…حيث أن المجلس لم يعلن عن عدد الحالات المتبقية والمشابهة؟ وهل تتضمن رفات أحداث 1981 و1990 و رفات ضحايا تازمامارت ورفات أحداث أخرى متفرقة؟…وإذا أقر المجلس ضمن نفس الفقرة على “الاستجابة لحق العائلات في معرفة هوية رفات ذويها.” هل هي بوادر الالتزام بالاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري؟. ويجب التذكير أن تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان 2017-2011 قد أقر على تحديد أماكن دفن رفات 385 حالة، واستخراج رفات 185 متوفي واستخراج الحمض النووي بالنسبة ل 44 حالة من لدن فريق من الأطباء الشرعيين بين دجنبر 2005 وماي 2012. فما تضمنه التقرير السنوي لهذه السنة في هذا الجانب هو مكرر لتقرير سنة 2022 الفقرة (791) والفقرة (792)…الخ.

 

الملاحظة الرابعة: في شأن إقرار المجلس في الفقرة (843) عن إصداره مقررات تحكيمية قبل سنة 2018 دون أن يتم تنفيذ قراراتها القاضية بالتعويض وتوصياتها يجبر باقي الأضرار، مع العلم أنها كانت في التقارير الآفلة تعتبر منجز المجلس في تدبيره هذا الملف، بل هو تدبير جزئي ليس تنفيذه بشكل كامل ….وأقر المجلس عن المجهودات عن تنفيذ مقررات التعويض والإدماج الاجتماعي بين الفترة الممتدة بين 2019 و 2022 لفائدة 1092 مستفيد(ة)، إلى جانب 104 مستفيد (ة) سنة 2023 خلال زمنية التقرير، أي استفادت 1196 مستفيد ومستفيدة ما بين 2019 و2023. وفي نفس التقرير نجد أن المجلس يقر على استفادة 1370 حالة منذ سنة 2004 من الادماج الاجتماعي.

 

علما أن تقرير الهيأة توصي بالإدماج الاجتماعي ل 1119 حالة وتقرير الذي قدم أمام مجلسي البرلمان سنة 2014 أقر على 1306 حالة منها 828 حالة تم تنفيذها و 335 حالة في طور التنفيذ، بينما تقرير منجز للمجلس الوطني لحقوق الإنسان 2011-2017 يقر 1335 حالة. ويلاحظ أننا أمام معادلة مستعصية، إذا اعتمدنا على عملية حسابية لعدد الحالات التي تم تنفيذها والمتضمنة في التقرير المقدم لمجلسي البرلمان سنة 2014 المتمثلة في 828 والعدد الممثل ما بين الفترة الممتدة بين 2019 و 2023 هو 1196 حالة بمبلغ اجمالي هو 168.086.644:00 درهما، وإذا تم الجمع بينهما سنكون أمام 2024 مستفيد(ة)؟؟؟.

 

الملاحظة الخامسة: في شأن التقاعد التكميلي الذي يقر من خلاله المجلس عن تسويته لفائدة 99 من الضحايا أو ذوي الحقوق من خلال الفقرة (848) وهي نفس العبارة التي عمرة في تقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تقرير سنة 2019 الفقرة (327)، وتقرير سنة 2020 الفقرة (464)، وتقرير سنة 2021 الفقرة (595)، وتقرير سنة 2022 الفقرة (801)….ماهو أجل المعالجة النهائية لهذا الملف؟ وهل عدد 99 هو الرقم النهائي في إطار المعالجة النهائية والتسوية؟.

 

الملاحظة السادسة: تتجلى في شأن تسوية الأوضاع الإدارية والمالية، حيث تقر الفقرة (851) من تقرير المجلس ان عدد المستفيدين من التسوية الإدارية والمالية هو 502 مستفيد وفق آخر الاحصائيات، ولكن دعنا نعود بهذا الرقم إلى الوراء، لقد تضمن تقرير الهيأة عن وجود 514 حالة، سويت منها 152 حالة، وتضمن تقرير المقدم من لدن رئاسة المجلس أمام البرلمان سنة 2014 هو 540 حالة، تسوية 366 حالة و 72 حالة في طور التسوية، و 102 حالة قيد الدراسة، أما تقرير منجز وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان لسنة 2019 بتسوية 564 مستفيدا منها 358 ملفا تم تسويته و 88 ملفا تم تسويته قبل صدور المقرر، و44 ملفا في طور التسوية. على ضوء هذا، هل العدد 502 مستفيد، هو العدد الحقيقي للمستفيدين أي تم تنفيذ التوصية الخاصة بهم، أم يتضمن مجموعات لم يتم تسويتها لأسباب أخرى (في طور التسوية- تم تسويتها قبل المقرر…)؟، كما يلاحظ كذلك أن المجلس لأول مرة يعلن على توفره على لوائح ل 888 مستفيد(ة) من هذه التسوية خلال فترة الوزير الأول الراحل عبد الرحمن اليوسفي، ليبلغ عدد المستفيدين من التسوية الإدارية والمالية  1390 شخصا.

 

الملاحظة السابعة: في شأن التكلفة المالية للتعويضات التي قدمت لتجربة العدالة الانتقالية بالمغرب، حيث يقر تقرير المجلس على المبلغ الإجمالي للتعويضات في 2.068.651.503 درهم و 27723 مستفيد منذ إنشاء هيأة التحكيم المستقلة للتعويض. علما أن عدد المستفيدين في إطار هيأة التحكيم المستقلة هو 7780 مستفيد (ة) بمبلغ مالي قدره 960.000.000:00 درهم، أما هيأة الانصاف والمصالحة هو 17087  مستفيد(ة) بمبلغ مالي قدره هو 687.824.808.00 درهم، أي استفادة 24867 مستفيد(ة) بين الهيأتين بمبلغ إجمالي قدره 1.647.824.808.00 درهم، نفترض أننا خصمنا من المبلغ الإجمالي للهيأتين، المبلغ الإجمالي لتجربة العدالة الانتقالية الذي أقر في تقرير 2023 سنتوصل إلى مبلغ التعويضات في زمنية لجنة المتابعة في 420.826.695.00 درهم لعدد المستفيدين في 2856 مستفيد(ة).

 

الملاحظة الثامنة: تتجلى في شأن حفظ الذاكرة وانتظار افتتاح فضاء المعتقل السابق بتازمامارت أن مضمون التقرير السنوي للمجلس من خلال الفقرات (من 854 إلى-860)، جاءت متكررة لما تضمنه التقارير السنوية السابقة يمكن الاطلاع على تقرير سنة 2021 الفقرات (582 إلى 594) و تقرير سنة 2022 الفقرات (783 إلى 789)، ومجال حفظ الذاكرة لايزال يحبوا بشكل ضعيف.

 

الملاحظة التاسعة: تتجلى في مجال كشف الحقيقة، إذ يلاحظ أن تقرير المجلس لم يشير إلى الحالات العالقة في تجربة العدالة الانتقالية سواء التي أوصت هيأة الانصاف والمصالحة باستكمال البحث والتحري في شأنها أو الحالات العالقة لدى الجمعيات الحقوقية. وأشارت التقرير في الفقرة (868) على أن رئيسة المجلس خلال جلست عمل بتاريخ 13 ماي 2023 مع خبراء فريق العمل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي نبهت إلى عدم وضوح معايير فريق العمل في معالجة بعض الحالات واستحالة تطبيق المعايير المعتمدة عليها لاختلاف ظروف اختفائها وسياقات الأحداث المرتبطة بها.

الملاحظة التاسعة: تتجلى في ملفات “خارج الأجل” إذ أن التقرير لم يشير إلى مصير هذه الملفات وطرق معالجتها مع العلم أن تقرير المجلس لسنة 2022 في فقرته (802) تم التطرق إلى هذا الملف، وكيف يفكر المجلس أجرأتها على مستوى تفاعله مع السلطات الحكومية؟ متى وكيف سيتم معالجتها؟ هل سيتم معالجة الملفات التي اعتبرت “خارج الأجل” في ظل هيأة الانصاف والمصالحة أم سيتم معالجة شمولية حتى الملفات التي قدمت للجنة متابعة تنفيذ توصيات الهيأة؟.

لقراءة المقال من مصدره (انقر هنا)