مقال للدكتور بوجعبوط: مثالب تجربة العدالة الانتقالية بالمغرب بمنظار أشغال المؤتمر الوطني السادس للمنتدى المغربي لأجل الحقيقة والإنصاف.

مثالب تجربة العدالة الانتقالية بالمغرب بمنظار أشغال المؤتمر الوطني السادس للمنتدى المغربي لأجل الحقيقة والإنصاف.

الدكتور المصطفى بوجعبوط

متخصص في شؤون العدالة الانتقالية والتقارير الدولية

نظم المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف مؤتمره الوطني السادس أيام 16- 17- 18 فبراير 2024 بمدينة مراكش تحت شعار “الديمقراطية لعدم التكرار” وذلك في إطار سعيه لتجديد نفس جديد لتسوية الشاملة والعادلة والمنصفة لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان متمثلا في إقرار مبدإ الديمقراطية لضمان عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة في المستقبل.

فقد حضر المؤتمر 119 مؤتمر ومؤتمرة 76 منهم منتخبين من لدن الفروع و43 عضو (ة) من أعضاء المجلس الوطني، و15 ملاحظ، فقد افتتح المنتدى أشغاله من لدن رئيس المنتدى فيما ألقى الكلمة كل من ممثل وزارة العدل وممثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان وممثلي الحركات الحقوقية.

فقد كانت لأشغال المؤتمر السادس لحظة مفصلية في تاريخه تلته تأملات وتفكير عميق للمرحلة المقبلة بقراءة عميقة للمنجز وما لم يتم إنجازه نحو صياغة أفق جديد ومتجدد ومنفتح على الواقع بتحولاته ومستجداته العميقة وخصوصا ما تبقى من توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة سواء الكشف عن الحقيقة أو جبر الضرر أو حفظ الذاكرة…. والتأسيس لعدم التكرار، ولم يقف المؤتمر على هذه النقط بل تجاوز ذلك لأجل النظر إلى المستقبل وتقوية قواعده التنظيمية بتوسيع قاعدته بطاقات شابة مناسبة ومختارة متشبعة بقيم الديمقراطية ومؤمنة بثقافة حقوق الإنسان.

فقد تلت أشغال المؤتمر نقاشات ومداخلات متكررة للضحايا وذوي الحقوق كلها توقفت على معاناة الضحايا وذويها لمختلف الأحداث التي وقعت بالمغرب والتي كانت محور اختصاص هيأة الانصاف والمصالحة مابين 1956-1999 ذلك يطرح تساؤلات جديد حول مدى استكمال آليات العدالة الانتقالية في التجربة المغربية….طرحت بقوة… فهل هي مستجدات ما قبل عمل الهيأة أم عدم وجود إرادة لاستكمال الملفات العالقة؟ ماهي هذه الملفات التي عمرت حوالي 20 سنة من انتهاء عمل الهيأة؟ ما دور لجنة متابعة تنفيذ توصيات الهيأة بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان؟ هل نحن أمام إرادة سياسية لطي هذا الملف أم في حاجة إلى جرأة مؤسساتية لمعالجة ما تبقى من الملفات؟ أم هي لحظة تمويت تجربة العدالة الانتقالية بالمغرب؟.

كل هذه التساؤلات تريد الوقوف على أربعة مثالب لتجربة المغربية للعدالة الانتقالية التي طرحت في أشغال المؤتمر الوطني الخامس والسادس للمنتدى المغربي لأجل الحقيقة والإنصاف وهي على نحو التالي:

أولا: سجل المؤتمر  بشكل عام ضمن بيانه تعامل الدولة بمنطق تجزيئي في معالجة ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان حيث ظلت العديد من الملفات دون تسوية سواء على مستوى جبر الأضرار الفردية والجماعية أو الاعتذار الرسمي والعلني  للدولة أو تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في بعدها الاجرائي للملفات العالقة على مستوى الإدماج الاجتماعي والصحي والتسوية الادارية والمالية للضحايا وحفظ الذاكرة الوطنية من الاهمال والاندثار.

ثانيا: في مجال كشف الحقيقة أثير أن نتائج كشف الحقيقة جد محدودة بالرغم من بعض إيجابية التحريات التي أنجزت، بالتالي ضرورة استكمال كشف مصير الحالات العالقة التسع أو الست المعلن عنها، والكشف عن الهويات الشخصية لأكثر من 120 من المتوفين خلال الأحداث الاجتماعية، وعن أماكن الدفن وقبور أكثر من 460 من ضحايا الانتهاكات، ومعرفة بشكل علمي ADN هويات الرفات المتواجدة في القبور المجهولة بتحديد بشكل دقيق تواريخ الاعتقال أو الاختطاف وأماكن الاحتجاز وظروف الوفاة وأسبابها….كما دعا المنتدى إلى إنشاء آلية لاستكمال الحقيقة بشأن الحالات العالقة التي كانت محور الندوة الدولية بمراكش سنة 2018 ومحور نقاش المؤتمر السادس لأجل مواصلة الكشف عما تبقى من حقيقة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وخاصة حالات الاختفاء القسري العالقة.

ثالثا: ملفات أصبح يطرح عليه “خارج الأجل“، حيث هذه الملفات عمرت منذ نهاية عمل هيأة الإنصاف والمصالحة، ظهر من خلالها مجموعة من الضحايا وذوي الحقوق وخصوصا منهم ضحايا 10 دجنبر 1990 بفاس وضحايا آخرين من أحداث 1981 و1984 …، وما تبقى من ملفات أهرمومو (عدم الاختصاص) الذي وجدوا أنفسهم أمام مصطلح “خارج الأجل” بالرغم من أنهم يعتبرون ضحايا داخل زمنية هيأة الإنصاف والمصالحة 1956- 1999. وبالتالي فإن حجية خارج الأجل بالنسبة للمجلس الوطني غير مبررة علما أن النظام الأساسي لهيأة الإنصاف والمصالحة في الجزء الأخير من الفقرة الرابعة من المادة التاسعة – “المقدمة إلى هيئة الإنصاف والمصالحة بمقتضى الأجل الجديد، لمدة شهر واحد، المقترح من يوم 12 يناير 2004 إلى يوم الجمعة 13 فبراير 2004؛”، هذا الأجل ولد ميتا مع العلم أنه لم يطلع عليه أي أحد إلا بعد صدوره بالجريدة الرسمية بتاريخ 10 أبريل 2004. وعليه، كيف يمكن للضحية أو ذوي الحقوق أن يطلع على الاعلان أو عن أجل دفع الملفات للهيئة والنظام الأساسي جاء متأخرا في الجريدة الرسمية بـ 56 يوما (من 13 فبراير إلى 10 أبريل ).

رابعا: توصل المنتدى في بيانه الختامي على ضرورة إقرار دستور ديمقراطي يتلاءم مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ومراجعة السياسة الجنائية بما لا يتناقض مع المنظومة الكونية لحقوق الإنسان التي يعتبر المغرب طرفا فيها وكذا مراجعة البرامج والمناهج التربوية بما يصون الذاكرة الوطنية ويخدم التربية على المواطنة وحقوق الإنسان إلى جانب وضع الخطة الوطنية لمناهضة الإفلات من العقاب موضع التنفيذ.

وفي الخلاص، يلاحظ أن المنتدى من خلال مؤتمره الوطني السادس طرح ملفات كثيرة للاشتغال والتواصل مع الفاعليين الرسمين في شأن المعالجة الشاملة للملفات العالقة سواء في مجال كشف الحقيقة أو إشكالية الرفات أو حفظ الذاكرة أو إقرار استراتيجية وطنية لمبدإ عدم الافلات من العقاب أو جبر الضرر الفردي والجماعي أو ملفات خارج الأجل ….كلها مكملات والآليات الاساسية المعروفة في أدبيات العدالة الانتقالية ومؤشرات لاستكمال مسلسل العدالة الانتقالية بالمغرب…فنجاحها يحتاج إلى إرادة وتظافر الجهود من لدم مختلف الفاعليين الرسمين وغير الرسمين من خلال هندسة جديدة من إحداث لجنة مؤسساتية ومستمرة في المستقبل متخصصة في الرفات والطب الشرعي.

للاطلاع على المقال من مصدره انظر (انقر هنا) او (انقر هنا)