تقرير عن الندوة العلمية حول: دور مراكز دراسات الدكتوراة بالجامعات المغربية في تجويد آليات البحث العلمي

    تقرير الندوة العلمية حول:

دور مراكز دراسات الدكتوراة بالجامعات المغربية في تجويد آليات البحث العلمي

السبت 09 أبريل 2022

نظم المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية ندوة علمية عن بعد” حول موضوع: دور مراكز دراسات الدكتوراة بالجامعات المغربية في تجويد آليات البحث العلمي“، يوم  السبت 09 أبريل 2022 ابتداء من الساعة العاشرة والنصف ليلا .

افتتحت أشغال الندوة من لدن الدكتور المصطفى بوجعبوط، مدير المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية، الذي قام بتسيير الندوة العلمية مستحضرا إنجازات المركز وفق أهدافه البحثية والعلمية في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقلية ودراسة التقارير الدولية تجسيدا لدوره الريادي في ذلك، وقدم إثرها مدير المركز أرضية الندوة التي ركزت على مجموعة من الأسئلة منها:

هل أدوار مراكز الدكتوراة بالجامعات المغربية تؤدي رسالتها العلمية وفق مؤشرات علمية تهدف من خلالها بناء منظومة تربوية رزينة وتساهم بالإنتاجات العلمية الاستباقية في شتى العلوم ومختلف المجالات والاختصاصات؟ أم أدوارها إدارية روتينية تساهم في إعادة انتاج نفس المنتوج بمقاس وبمؤشرات ضعيفة؟ هل ذلك نتيجة ضعف التمويل والاستقلالية أم لهشاشة الاطار القانوني والتنظيمي أم لضعف الموارد البشرية أم لتعدد بنيات البحث أم لضعف التأطير البيداغوجي بين الأستاذ والطالب أو هما معا ؟وهل يمكن أن نتحدث عن جودة الانتاج العلمي للباحثين؟

وابتدأت الندوة بمداخلة الدكتور إحزرير عبد المالك استاذ علم السياسة  بمكناس وعضو الجمعية المغربية للعلوم السياسية، وخبير لدى المركز الوطني للبحث العلمي بالرباط، تحت عنوان: “أهمية الدراسات الانجلوساكسونية في تطوير المنظومة البحتية بالمغرب”،

تفضل الدكتور بكلمة عبر فيها عن سعادته وامتنانه على مشاركته لأول مرة في هذا المركز، كما قدم كل الشكر للأساتذة المشاركين بمداخلاتهم  في موضوع ذو أهمية بالغة في تجويد البحث العلمي، حيث قال بأن هناك إجماع حول أن قطاع البحث العلمي يعاني من عدة عوائق إلى درجة أنه شبه ذلك بالبحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة، وأن هناك اختلالات بالجملة تعتري هذا البحث العلمي من عدة جوانب، فحتى النموذج التنموي الجديد لم يف بالطموحات من وراء هذا البحث. وأنه ليس هناك  ثقافة بين السلطة والمجتمع مما استعصى على البحث العلمي ، ومع ذلك يقول الاستاذ المحاضر فالمغرب مقارنة مع بعض الدول العربية يخطو خطوات مهمة في هذا الميدان رغم أنه ليس هناك دينامكية جينية للسهر والانكباب على هذا .

وما تحدث عنه الأستاذ هو بنية المركز والبناء الفكري منذ الاستقلال إلى يومنا هذا ولابد لهذه الفلسفة الانجلوساكسونية أن تقوم بعدة أدوار تعنى بالبحث العلمي في شموليته وإيجاد حلول آنية لمعضلات المجتمع المعقد وليس لمعضلات الدولة. وهذا الاختلاف بين المجتمع والدولة تعاملت معه بعض الدول الانجلوساكسونية بصرامة مما ساهم في صلابة العلم. فحتى الادماج دخل في المجال العرقي بين أفراد المجتمع كغاية من العلم هو أن يكون في ازدهار المجتمع، وأن الحكومة والمجتمع يقومان بتمويل هذا العلم / وهناك أخلاقيات تخدم هذا البحث العلمي مما يساهم في انتاجه بشكل متزن.

وحالة البحث يضيف الأستاذ ببلادنا تعاني معضلات كبري بشكل وكأننا نعيش حالة التبعية الفكرية لفرنسا، ومناهجها لأن فرنسا اليوم بدورها أصبحت تعاني الاحتباس الفكري مقارنة مع كانت عليه في القرون الماضية، وكان البحث في كل المراكز لفرنسية لغرض تقوية الدولة على المجتمع حيث أن الأمر لا ينصب على بناء المجتمع كما هو الشأن مثلا في الولايات المتحدة الأمريكية، كي يساهم ذلك في استقرار المجتمع لما لهذا المجتمع الذي يشكل دعامة أساسية في الدولة، وهذا ما يشغل بال الباحثين في مجال البحث العلمي. الذي يسير في خدمة بناء المجتمع في هذه الدولة. وبالنسبة لبعض المراكز في فرنسا ينظر إلى الدولة بنوع القدسية، وحتى الكتابات والنظريات بهذه الدولة تتجه في نفس الاتجاه .

فالمنعطف لم يكن إلا بعد الازمة التي تعاني منها الدولة ، وحتى الانتاج العلمي على مستوى المراكز يجب أن يكون على مساهمته في حل هذه الأزمة، ولكن الديمقراطية الغير الناضجة ساهمت بدورها في تدني هذا. فاليوم فإن البناء الفكري يعاني في هذه الدولة وإن الاستثمار في البحث العلمي يعاني قصورا كذلك. ففي الوقت الذي  كان فيه الفرنسيين ينظرون الى المخزن فإن الانجلوساكسون ينظرون إلى القبيلة ، فمن خلال هذه المقاربات فإن الباحث المغربي لا يهتم في الأمور وحتى دراسة القرار على السياسات العمومية بهذه الدول يخدم المجتمع وليس الدولة، وإن إفراز القرار يإتي من المجتمع وليس من الدولة، ولذلك كان هذا الفكر الأكاديمي يفكر في حل المعضلات الاجتماعية برمتها.

والفرنسيون يرون أن علم القانون مرتبط بعلم الاجتماع، فالمناهج المؤسساتية ذات الطابع المعياري بمراكز الدكتوراه يجب إعادة النظر في نهج التفكير في حلول آنية لفهم المبتغى من البحث العلمي هو خدمة للمجتمع وإن كان غير ذلك فلا داعي منه أصلا.

أما المداخلة الثانية كانت للدكتور مساعد عبد القادر  أستاذ التعليم العالي -كلية الحقوق بطنجة ومنسق ماستر حقوق الانسان  – رئيس المركز العلمي الدولي للحوار والمناقشة حول الأبعاد الجديدة لحقوق الإنسان تحت عنوان:” قراءات في إسهامات مراكز الدكتوراه في تطوير البحث العلمي”، حيث جدد الأستاذ شكره للمركز المغربية للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية، بأهمية اختياره لهذا الموضوع ومناقشته من خارج الجامعة مكسب جديد… وهو ما يتيح للباحث قدرا من الحرية والموضوعية في التناول… لو كان من داخل الجامعة ستكون بأدوات تمجيدية…..

وذكر الأستاذ بأن البحث العلمي يجب مناقشته من داخل الجامعة وأعطى احصائيات لعدد الجامعات والمعاهد بالمغرب حيث ذكر بأن المغرب يتوفر على 13 جامعة حكومية و8 جامعات خاصة و21 معهد وأن داخل كل جامعة توجد مراكز متخصصة ومراكز الدكتوراه وهذا في حد ذاته ليس بالشيء السلبي وهو ما تساءل عنه بعدم رهان الدولة كون مراكز الدكتوراه تعتمد على دفتر التحملات وما ينبغي التأكيد عليه هو أن وجود هذه المراكز بعلامة مميزة على مستوى الموجود ينبغي الحفاظ عليها وبغض النظر عن بعض الامور فهذه المراكز تعد مكسبا في حد ذاتها رغم أنها تواجه اكراهات في تجويد البحث العلمي بالشكل المطلوب وهذه الاكراهات يمكن تلخيصها في ثلاث مستوييات :

  1. اشكالية العلاقة التي تربط هذه المراكز بالمجتمع أو بين الجامعة والمجتمع ، وهذا يؤدي إلى السؤال عن ما هو دور الجامعة في هذه التقارير والأبحاث التي يتم انجازها حيث أن هناك مشكلة تهريب البحث العلمي وعدم الأخذ بما أُنجز داخل الجامعة من بحوث علمية، كذلك مشكل التسويق والاستفادة مما تنتجه الجامعة من أبحاث والبحث العلمي تكلفة مادية يكلف الدولة ماديا والجامعة زمنيا مما يؤدي إلى هدر الزمن العلمي وحتى الأستاذ يعاني لأنه ليس هناك ادوات لتسويق منتوج مراكز الدكتوراه .

فالإدارة اليوم لا تعير أي اهتمام للبحث العلمي بالجامعة، وهناك بعض التقارير وبعض الأعمال الإدارية يتم الاثبات بها للجامعة بشكل شكلي من أجل التشاور وليس لأخذ القرارات المناسبة ونتيجة لهذا تفوق البحث الاداري الخاص عن البحث العلمي الأكاديمي من الناحية المادية والبشرية وليس من الناحية الفكرية العلمية، وأننا أصبحنا نعيش أزمة الهذر المادي للبحث العلمي بالجامعة، وهذا يؤثر سلبا على تقوية مراكز الدكتوراه .

  1. على مستوى ولوج مراكز الدكتوراه فإن هذا مرتبط بالشهادات وليس بالأبحاث العلمية كشرط من شروط ولوج هذه المراكز ، فهما يجب التفكير في مسارات اخرى لاعتماد البحوث الى جانب الشهادات، ونلاحظ على هذا المستوى كثرة الاجراءات الادارية لولوج الدكتوراه حيث أن هناك اكثر من 14 اجراء يتطلب التسجيل بالدكتوراه ، فولوج مراكز الدكتوراه يجب أن يكون عن طريق التواصل بين المسالك العلمية الأخرى وأن صناعة الباحث تبدأ من الاجازة لأن هناك قطيعة مع وبين هذه المسالك. وأحيانا نجد أنفسنا أمام باحث لا يتوفر على مؤهلات علمية لولوج مراكز الدكتوراه ، فهنا ينبغي خلق نوع من التعدد لولوج مراكز الدكتوراه حيث يجب فتح الباب أمام الطاقات العلمية لتدبير شؤون الباحث، والغاية الأساسية من مراكز الدكتوراه هو تقوية البحث العلمي وتعزيز العلاقة بين المجتمع والجامعة
  2. على مستوى الابتكار والإبداع أي جودة البحث العلمي هو أنه الاعتماد على بعض المؤشرات تحدد تجويد هذا البحث، حيث أن هناك تدافع في غياب أخلاقيات البحث العلمي كركيزة أساسية، وغياب هذه الأمور من شأنها أن تؤثر على الابتكار والإبداع في البحث العلمي وتطويره ، فلا يمكن تصور الاعتماد على مناهج قديمة لو تقليدية غير متطورة، فالجانب المرتبط بأخلاق البحث نهم في البحث العلمي وأنه أمام هذا الوضع أصبحنا أمام لقب دكتور دون مستوى علمي في مستوى الدكتوراه.

فهذه المستويات الثلاثة الهدف منها هو تجويد البحث العلمي وعمل مراكز الدكتوراه وتحويلها إلى بنوك فكرية وتحويله من إطار إداري إلى اطار فكري ومن هنا وجب التفكير بأن تهتم مراكز الدكتوراه فيما بعد الحصول على الدكتوراه وأن بعض الجامعات بدأت تفكر في ذلك.

وأنهى الأستاذ مداخلته بتوصيات منها : تحويل مراكز الدكتوراه إلى بنوك فكرية ، والتفكير في أن مراكز الدكتوراة  لا بد لها ان تهتم لما بعد الدكتوراة بخلق مشاريع حسب طبيعة البحث، والمساهمة في التربية والتكوين على البحث العلمي من خلال (إنجاز البحث، الحوار، التفكير، العيش داخل الجماعة، ثقافة مرتبطة بالبحث العلمي وليس الحصول على الشهادة…..)، تحويل  البحث العلمي من بنية تعمل على مجهودات فردية  إلى بنيات مؤسساتية لا تتوقف على عمل الأشخاص، والانتقال من مراكز عامة  إلى مراكز خاصة لأجل تشجيع البحث العلمي الجزئي بشكل أكبر و التدقيق فيه .

أما المداخلة الثالثة لدكتور أحمد درداري، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بتطوان ورئيس المركز الدولي لرصد الازمات واستشراف السياسات، تحت عنوان: “اكراهات البحث العلمي بالجامعة بين اصلاح دور مراكز دراسات  الدكتوراه وتجديد مقاربات  البحث العلمي النموذجية” .

انطلق فيها من مدخل عام أكد فيه على أن الجامعة هي فضاء للتفكير والتنظير والإسهام في صناعة القرار العمومي. وطرح الأستاذ إشكالية الجودة في الإنتاجات العلمية وعدم ترجمتها على أرض الواقع .

انطلاقا من كون الجامعة المغربية و جدت لتخدم المجتمع و التنمية و البحث العلمي و الطالب مجتمعين في تركيبة نسقية .. فإن الملاحظة تكمن حول النقص في الجودة و التجديد و ربط وظائفها بالنسق السياسي و الاجتماعي و الثقافي و التنموي .

فأحيانا تتباعد الغاية من وجودها عن الواقع  المتفاعل  أو المغذي لها و الذي ينتظر قيامها  بدورها للتطور و التغيير انطلاقا من استقلاليتها و بنيتها البحثية

– فالجامعة عن طريق مراكز دراسة الدكتوراه يطرح سؤال جودة الانتاجات العلمية و البحثية جدوى الصبيب المهم من البحوث و الأطاريح   الموجودة في رفوف الكليات.

– فإشكالية دور مراكز دراسة الدكتوراه تطرح وتثير من جديد  تحديات البحث العلمي المتسم بالضعف و هيمنة الجانب الاداري و القانوني على حساب  الخبرة العلمية و تفعيل الاحتكام لضوابط البحث العلمي الشكلية و الموضوعية  .. و التي تبقى مرتبطة بالسلطة التقديرية للجنة العلمية التي قد ترفض أو تقبل الأعمال البحثية .

ان الفهم العلمي للتساؤلات المطروحة و تقديم إجابة علمية عنها هو رهان يتطلب الكشف عن الحقيقة والتي ليست سوى احد الشرطين ليكون الشخص  مثقفاً : الشجاعة ، و ان يكون الباحث مستعداً للذهاب بالبحث العلمي أي ابعد مدى . و أن يقوم بالنقد الحازم لكل ما هو موجود بهدف التغيير..

و الفهم العلمي للظواهر يتطلب تفسيرها علميا و إدراكها علميا و ضبطها علميا و التحكم فيها علميا ثم التنبؤ بما يمكن ان يقع في المستقبل ، وأخذ الاحتياطات  العلمية..

صحيح ان المغرب يعرف حالة نهوض شامل ،لكن البحث العلمي يحتاج إلى مجموعة من الآليات لمواكبة التطورات و منها:

  • الرفع من ميزانية البحث العلمي.
  • تطوير قدرات الباحث لتغيير طريقة التفكير..
  • تطوير اختيارات الجامعة و ربطها بالسياسات العمومية وبالمجتمع .
  • تطوير المناهج العلمية لتجويد الانتاج المعرفي و ربطه بالاحتياجات الوطنية و الترابية.
  • ربط البحث العلمي لمراكز الدراسات و مختبرات البحث ببرامج الخدمات الرقمية، وتوفير مكتبات رقمية و بنوك اسئلة ، و محرك البحث الاكاديمي، ومنصة جامعية توفر الخدمات للجمهور ، و الاهتمام بالطالب منذ ولوجه للجامعة بالتوجيه و التكوين و التدريب و توفير الامكانيات لمسايرة الحياة الجامعية.

فالجامعة و مراكز دراسة الدكتوراه و انطلاقا من الاستقلالية الداخلية للجامعات و توفير فرص  إنشاء مختبرات للبحث على مستوى الكليات للنهوض بالبحث العلمي تعترضها احيانا عوامل لا تخدم البحث العلمي، كالتي  لها علاقة بطريقة تكوينها من قبيل مراعاة الأقدمية و غياب التناوب على الهياكل .. و أيضا عامل الأحلاف و عوامل شخصية ..مما يجعل أغلب الأساتذة يكتفون بالعمل الفردي . بل حتى بعض الشعب في بعض الكليات لم يتم هيكلتها بعد،  و هناك سوء فهم للأدوار و طغيان التأويل الشخصي الضيق المحبط للمبادرات وللتعاون ..

– أما بالنسبة لمراكز دراسات الدكتوراه فالأمر أيضا يحتاج إلى إصلاح ، خصوصا و أن المراكز مكتظة بالطلبة الدكاترة و منهم من تجاوز عدد السنوات المسموح بها كحد أقصى لإنجاز الأطروحة 3-6 سنوات. و ما يزال عدد منهم  عالق و المسؤولية مقتسمة بين مديري الأطاريح و الطلبة الباحثين،  و في ذلك هدر للزمن البحثي وتفويت للفرص أمام الطلبة الجدد الذين قد يكونوا  أفضل إذا ما قارنا الوضعيات بالشروط الواجب توفرها في الطالب الباحث الراغب سواء عند أبي حسن الماوردي أو من وجهة نظر الأكاديميين .. و تجمع حول احترام المبادئ المؤكدة و الثابتة و الضرورية للانتماء الى مراكز دراسات الدكتوراه.

هذا بالإضافة الى مشاكل مرتبطة بالمصادر  و لغة البحث و غياب الإحصائيات اللازمة و ارتباط الباحث بمجتمع غير علمي و الخصاص المادي و غياب التحفيز و محدودية الهدف والغاية من البحث .

_ معلوم أن الجامعة هي فضاء للتفكير الحر والمبدع والخلاق والنقاش وإنتاج الأفكار والتنظيم للمجتمع والمشاركة في المشروع المجتمعي التنموي والإسهام في صناعة السياسات العمومية والقرار العمومي والتوجيه والرقابة للحياة المجتمعية …

فالهدف يكمن في تكوين الانسان وتطوير التفكير في المجتمع بتطوير البحث العلمي .

صحيح هناك محاولات إصلاح للجامعة تحكمت فيها معادلات الصراع العام في المجتمع …لذا فإن إعمال الحكامة الجديدة كما تسري دستوريا على امتداد هرم الدولة والمؤسسات المتدخلة في التعليم العالي  برلمان ،  حكومة  والقطاع الخاص … واستحضار رؤية الإصلاح وقيادتها بشجاعة وربط التعليم العالي بالأوراش الكبرى للإصلاحات  السياسية والاجتماعية والثقافية  وربط البحث العلمي بالتنمية وتقدم المجتمع .

فالجامعة هي مورد أساسي للدولة بالأطر الكافية في شتى  المجالات وكذلك القطاع الخاص …لذا فإن التفكير في الارتقاء بالجامعة ومنها مراكز دراسات الدكتوراه والمختبرات البحثية  في ظل التغييرات الجديدة للبحث العلمي وتجويد المناهج العلمية وربطها بالأهداف من إجراء البحث العلمي وجعله تنافسيا كلها غايات أسمى تطمح اليها الجامعة المغربية.

اما في ما يتعلق بواقع البحث العلمي الذي يفرض ربط مناهج العلمية بالمعرفة الاكاديمية و امام تشعب الإشكالات وتعقيد الواقع الاجتماعي الذي تنمو فيه الظواهر و المشاكل المتراكمة التي تستحق الدراسة و النبش . مما يفسر ان الأزمة الاجتماعية لا تصاحبها الإجابات العلمية،  فنجد مراكز للدراسات الأجنبية أدرى بالحقائق من  مراكز البحث الوطنية في بعض الجوانب مما يدل على ضعف أداء المراكز  دراسات  الدكتوراه  بالجامعات و التي بدون توفر الشروط الضرورية لا يمكنها الغوص في عمق المشاكل التي لها علاقة بالتنمية وبالديمقراطية،  و أزمة الاصلاح و الثقة و التنشئة الاجتماعية التي تحتاج الى مقاربة بحثية و دراسات قانونية و اجتماعية قادرة على  حل التعقيدات و تغيير الروابط و التفاعلات بين الظواهر الاجتماعية و القانونية و الوصول الى الاسباب الدافعة إليها، و التنبؤ بالنهايات الجدلية لها بالتحكم العلمي.

و المناهج كأدوات للدراسة و البحث سواء كنظريات أو كإطارات تصاغ فيها الأفكار  فتعترضها صعوبات مرتبطة بكيفية استعمالها و تطبيقها في دراسة المشاكل و الظواهر مواضيع البحث و تحتاج إلى لقاء اخر  يسمح  بتفصيل أعمق  …

فالجامعة والمجتمع والثقافة، ومواكبة الاستقرار وتنظيم النمو والتقدم مترابطة فيما بينها، وثبت  أن الإنجاز الثقافي يقوم بدعم تلقائي للفيسيولوجيا البشرية.

فالابحاث العلمية تربط الاستنتاجات الاقتصادية  والقانونية والعلمية بالحاجات السوسيولوجية  والثقافية  تقوم بوظائف حيوية داخل المجتمع بشكل تكاملي ونسقي بين العادات والأهداف والأفكار.

والأدوار الإجتماعية والثقافية للجامعة تقتضي تعميق الأبحاث حول أسباب الضغوطات الاجتماعية والثقافية التي يمارسها البناء الاجتماعي .. وتوجيه الحياة الاجتماعية بسلوكات إمتثالية بوضوح الأهداف والأساليب المحققة لهذه الأهداف.

– وتجدر الاشارة الى انه يمكن القول أن اعتماد المقاربة الوظيفة البنائية غير كافية لكونها  تسمم بالغموض.

لذا ظهر المنهج النسقي مع تالكوت  بارسونز الذي فضل الحديث عن النسق الاجتماعي والثقافي و نسق الشخصية. كمقاربة بديلة لغموض التيار البنيوي الوظيفي.

ونظرا لكون الحياة السياسية هي نسق سلوك موجود في  بيئة يتفاعل معها أخذا وعطاء من خلال فتحتين من خلاله مدخلات ومخرجات وتعامل مع النسق بمثابة كائن حي  يعيش في بيئة فيزيائية مادية وبيولوجية و اجتماعية وبيولوجية  واجتماعية وسيكولوجية، ومفتوح  على البيئة الداخلية والخارجية.

فالبنيوية باعتبارها نسق من التحولات له قوانينه الخاصة به ويقوم بالتحولات في ظل توازن النسق ويحافظ على حدوده كما يرى ذلك جون بياجيه، كما يتعامل مع تغيير  اي عنصر في النسق باعتباره يعرض باقي العناصر الاخرى للتغيير كما يرى ذلك  ليفي استراوش.

وانطلاقا من بنية  الجامعة وضرورة معارضة الطابع الجامد لوظائفها  وإدخال أسلوب تحليل الوقائع لمواجهة النزعة المحافظة والبطء الذي  يؤخر مرتبة الجامعة في سلم ترتيب الجامعات الدولية.

فاسبنسر الذي استعار من البيولوجية التمييز بين الجسم الحي والمجتمع، وهو اتجاه ظهر مع دوركايم في نهاية القرن 19.

وطوره مالينوفسكي راد كليف  في ثلاثينيات القرن 20.

فوظيفة بارسونز التي يجب أن تتخطاها  الجامعة في الدراسات  من خلال مراكز دراسات الدكتوراه بمبادئها 6. والتعامل مع الواقع كالكائن الحي و اعتبار  كل نسق يلبي احتياجاته والحفاظ على توازن النسق وتأثير  أجزاء النسق على النسق الكلي سلبا وإيجابا، وتلبية حاجات النسق عن طريق بدائل وتكرار الأنشطة من شأنه ان يطور البحث العلمي بشكل أفضل.

و لكي  لا نحافظ على الوضع القائم دون تصحيح الخلل،

و نقد الإيديولوجية الليبرالية في عمل المراكز البحثية أو الجامعة .

و إعمال التنميط بالتعاطي الجدلي مع الغاية من وجود مراكز دراسات الدكتوراه،  و تغليب قيمة الأبحاث العلمية  على الجانب الإداري الذي يعطي أحيانا درجة علمية كبيرة دون غاية مثلى، وإعمال حكامة تدبير الزمن البحثي و الخروج من الظهور الجيد على حساب ضعف المردودية العلمية الذي يفتقر للتسويق.

وأهم شيئ يمكن الختم به هو أن الجامعة تبقى هي الرافعة الحقيقية للتنمية و هي التي تنتج  التصورات و توفر المعرفة و تحتاج الى ربطها بالسياسات العمومية، ذلك أن الابحاث العلمية هي معيار  تقدم الدول، و عليه يجب إعادة ربط مكونات الجامعة ببعضها بشكل نسقي  و متوازن .

أما المداخلة الأخيرة كانت للدكتور محمد جعفر، أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري  – كلية الحقوق – مكناس  وعضو المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية، تحت عنوان: “محددات الجودة في البحث العلمي و آليات إعمالها”، حيث استهل مداخلته بوصف البحث العلمي بالقوة الناعمة في القرن 21 ، ووصف مراكز الدكتوراه بكونها بيوت خبرة. وتمحورت مداخلته حول اربعة  محددات لضمان جودة البحث العلمي ، وهي :

  • المحدد النفسي الوجداني ، ويقوم على 6 مهارات ( الشغف العلمي ، الموضوعية ، الشك العلمي ، الأخلاق العلمية ، الأصالة العلمية ، التفكير العلمي ) ؛
  • المحدد الابستيمولوجي، ويرتبط بمسألة ضبط الباحث للمحددات النظرية والمفهومية ومعرفة سبل أجرأتها ؛
  • المحدد الإجرائي / الموضوعي ، ويخص مقومات الأسلوب والمنهج والمادة .
  • المحدد التكنولوجي يروم ضبط فنيات و تقنيات المعلوميات باعتماد برمجيات الإدارة الببليوجرافية و الدعم الببليوجرافي المتكامل لمراحل البحث العلمي.

وفي الخلاصة، ختمت الندوة بعد نقاش مستفيض واستحضار بعض التصورات وأكد الأساتذة المتدخلون إلى ضرورة تطوير أداء مراكز دراسات الدكتوراة بالجامعات المغربية لأجل تطوير البحث العلمي، ومن خلال:

  • تحويل مراكز دراسات الدكتوراه إلى بنوك فكرية انتاجية واستباقية في بناء السياسات العمومية؛
  • إخضاع مراكز الدكتوراه إلى أبحاث علمية في خدمة المجتمع؛
  • تمتين الحرية لتطويره أكثر من حاجته إلى ضوابط بيداغوجية تؤطره ؛
  • حاجة البحث والباحث إلى الاستقلالية والدعم المالي واستحضار اخلاقيات البحث العلمي؛
  • الرفع من ميزانية البحث العلمي وربطها بالإنتاجية؛
  • حاجة البحث إلى التعدد الذي يفضي إلى التميز والاختلاف؛
  • اعادة النظر في طريقة الولوج إلى مراكز دراسات الدكتوراة؛
  • حاجة الجامعة إلى إشاعة عنصر الثقة بينها وبين المجتمع، وتجنب هاجس الخوف منها .
  • الاستقلال المنهجي للجامعات المغربية بعيدا عن التبعية في اطار الدولة الديمقراطية؛